الجمعة، 15 أبريل 2016

سكايب..صوت القاع

همس صوته إلى أذني معرفا بنفسه وقال: أنا "سكايب ولد الناس كاملة"، كان صوته الغاضب ينبعث من مسجل التاكسي المنهك كأحلام الفقراء في بلدي والمتهالك كخطاب العصابة الحاكمة، راق لي ذلك التعريف المتعالي على الشرائحية، فسكايب قرر أن يكون ابن المواطنين من دون خصخصة، وقررت الانصات له حين قال: "شوف تخمامي". وكان يتحدث عن العنصرية بصوته المستفز قصدا، فهو فيما يبدو يهوى ازعاج السلطة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو مجتمعية.

تلك هي أول مرة أسمع فيها بسكايب، كانت صدفة جميلة في يوم حار وجاف كمشاعرنا نحن سكان موريتانيا العظمى، بعدها، دخلت في مرحلة البحث عن شظايا من انفجاره الخطير، فوجدت على اليوتيوب الكثير من أغانيه المشتعلة بهموم الانسان الموريتاني، يعبر فيها عن فساد الشرطة والقضاء والسلطة والعلماء ورجال الأعمال، عن تراجيديا انسان القاع الذي لم يجد سوى اعتناق الجريمة للبقاء في عالمنا الموحش، عن حياة الشارع وفقدان الأمن بعاصمتنا الشبحية، فقد صرخ ذات مرة وقال:" نواكشوط يخلع".


ينتقى سكايب كلماته من قاموس الشارع بدون محاولة للتورية، هو صريح كفناني الراب الثائرين، يحكي عن مشاهد تلخص معاناة المواطن المكلوم، كلماته تلسع كالعقرب سمها موجه  للطغمة الفاسدة، وقد قال مواطن عن سكايب "هذا الصوت لهيب قادم من جهنم".


سكايب فانديتي مقنع يحب أن يظل في الخفاء يضرب الطغاة بصوته، ينتقم للمطحونين من دون الكشف عن هويته، لا يفجر بل يخز. لسكايب اليوم جمهور عريض وحين تمر بأحد شوارع نواكشوط المهمشة الهامشية، ستجد بالتأكيد بعض الشباب يجلسون أمام دكان بائس ويبثون من هواتفهم إحدى أغاني سكايب. هو حالة طالما بحثت عنها بشغف.

الأربعاء، 13 أبريل 2016

يعتزّون بدينهم وأصلهم ويجب معاملتهم بالقوّة... هكذا وصف المستشرقون الموريتانيين


المادة منشورة على موقع رصيف22، بتاريخ29.03.2016


موريتانيا، كغيرها من الدول العربية، ألهمت بعض الغربيين وجعلتهم يكتبون عنها وعن طباع شعبها. منهم مَن أتى كرحالة أو مستكشف أو تاجر أو عسكري مستعمر، ومنهم مَن كان دافعه روح المغامرة وخوض غمار المجهول أو التطلع إلى المعرفة وخدمة العلم.

لكن على كل حال، وبرغم أن البعض يعتبر أن غاية هذه الكتابات كانت خدمة الاستعمار، يُعتبر ما تركوه مصادر تاريخية هامة للباحثين المهتمين بتاريخ موريتانيا والمنطقة ووثائق تساعد في دراسة هذا الشعب وعاداته. وبرغم ما يكتنف هذه الكتابات من نظرة استعلائية استعمارية، تبقى نظرة مغايرة في بلد لم يكتب فيه التاريخ إلا لتمجيد القبائل وزعمائها.
يقدسون السلاح ولا يشتكون



كانت علاقة سكان موريتانيا بالسلاح وتقديرهم له حاضرين في ملاحظات الفرنسيين. وقد تحدث الباحث الموريتاني محمدّو مُحمّدن أميّن في كتابه "المجتمع البيظاني في القرن التاسع عشر: قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية"، عن سفينة فرنسية تدعى "الصديقان"، غرقت عام 1784 قبالة الشواطئ الموريتانية، فقام "البيظان" بأسر اثنين كانا على متنها، هما سونييه Saugnier وفولي Follie، وهو ما أدى إلى تنقل هذين الفرنسيين قرابة ثلاثة أشهر في الصحراء مع البيظان كأسيرين.

والبيظان الوارد ذكرهم هم أصحاب الهوية العربية في موريتانيا، بعضهم من أصل عربي وبعض آخر يتحدر من أصل أمازيغي لكنّه تعرّب. ويتحدثون باللهجة الحسانية وهي لهجة قريبة من العربية، وينقسمون طبقياً إلى عدة فئات: فئتين ارستقراطيتين هما العرب، وهم المحاربون وحاملي السلاح، وفئة الزوايا، وهي الفئة المهتمة بالعلوم الدينية والجوانب الثقافية.

كما تأتي طبقات أخرى في أسفل التنظيم الطبقي، مثل فئة إيكاون وهي الفئة المختصة بالغناء وفئة المعلمين وهي الفئة المختصة بالحدادة والأعمال الحرفية، ثم فئة أخرى تختص في الرعي تدعى أزناكة، وهي عبارة عن جماعة اضطرتها ظروف وهزائم لأن تتبع لإحدي الفئتين الأرستقراطيتين.

ثم تأتي فئة الحراطين وهم العبيد المحرّرون أو من رفضوا العبودية ثم تأتي في أسفل السلم فئة العبيد. طبعاً، البيظان ليسوا هم سكان موريتانيا الوحيدين بل هنالك عدة قبائل زنجية لها لغاتها. ويذكر أن البعض ينظرون إلى الحراطين كقومية مستقلة عن البيظان.

وقد ترك الفرنسيان المذكوران مصدرين هامين سردا فيهما تفاصيل قصتهما وانطباعاتهما عن مجتمع البيظان. يقول سونييه: "ثراء العربي وأمنيته الأولى الحصول على بنقدية ممتازة وخنجر جيد... فالأسلحة تعتبر زخرفاً وزينة وهم يحرصون على جعل بنادقهم في أوعية جلدية خاصة لحمايتها من الصدأ ولكي تبقى في حالة جيدة. ويفضلون الأسلحة على ثيابهم من قماش غيني أزرق".

والقماش الغيني الأزرق، أو قماش النيلة، هو قماش تخرج منه صبغة محببة عند البيظان وتلبسه النساء كملاحف ويرتديه الرجال كلثام.

ويؤكد هذا المستكشف الأسير على صلابة القوم: "مهما بلغت الخسائر التي تلحق بالعربي فإنه لن يشتكي أبداً، إذ هو أسمى من البؤس والشقاء وبوسعه أن يتحمل بصبر وأناة الجوع والعطش والتعب والمتاعب".
ماكرون: لا بد من قمعهم
من جانب آخر، تحدّث الرائد الفرنسي لويس فريرجان Louis Frèrejean في مذكراته عن موريتانيا بين عامي 1903 و1911 بعنوان "مذكرات عن السياحة والحرب في بلاد البيظان" Mauritanie, 1903-1911: Mémoires de randonnées et de guerre au pays des Beidanes، عن ضرورة استخدام القوة مع البيظان.

وقال: "إن استعمالنا للدبلوماسية والحنكة تجاه البيظان يقابله هؤلاء دائماً بما يفوقه من الدبلوماسية والحنكة والمكر. وحدها المعاملة بالقوة تؤثر فيهم ولا بد أن تلحق بهم هذه القوة ضرراً مباشراً وإلا أنكروها، فلا بد أن نثبت لهم أننا مسيطرون عليهم".

وأشار إلى أنه "لا بد أيضاً من معاملتهم بالعدل وحتى أخذهم بالحسنى، ولكن المقصود هو تفهم عقلياتهم وقبول ومراعاة تقاليدهم وأعرافهم بدل التصرف على طريقة دعاة الإنسانية حين يريدون منهم، بخلاف رغبتهم، أن يصبحوا مثلنا تماماً، مستخدمين اللين في معاملتهم ومتغاضين عن تمرّدهم بينما ينتهكون، في الوقت نفسه، أعرافهم وحتى نظام حياتهم".

وأضاف: "يبدو لي من الآن أن من الأفضل التحلي بالقسوة معهم والسعي بأقصى ما يمكن إلى الاندماج في حياتهم بدل معاملتهم باللين والبقاء في عزلة عنهم".

وتابع: "ألم يقل لي العجوز ذو اللحية الزرقاء في أحد الأيام عبارته البليغة "أقتل عجوز البيظان ولكنك لن تغير طبعه"؟ أحسست بروح "عجوز البيظان" أثناء مباحثاتي مع جماعة "الأمراء"، فقد ترسخ في عقلية هؤلاء النبلاء أو القادة عنصر لن يتسنى لنا القضاء عليه أبداً، ولو بإغراء المصلحة، إنه اعتزازهم بحقوقهم وأصلهم ودينهم".

وعن أصول البيظان، قال: "هم ينتسبون إلى العرب وقد كان ذلك صحيحاً بالنسبة لأوائلهم، ولكن ذلك أصبح الآن محل شك بعد قرون من التزاوج". ورأى أن انتساب هؤلاء القوم للعرب مشكلة في حد ذاته، إذ قال: "سيكون من الصعب علينا حمل "العرب" على العمل، فالعمل عند البدو فعل شائن".
في التعاملات التجارية
في كتاب "التوغل في موريتانيا: اكتشاف، استكشاف، غزو" La pénétration en Mauritanie: découverte, explorations, conquête (ترجمه الدكتور محمدن ولد حمينا)، تحدث الرائد جيلييه Gillier وهو أحد الضباط الذين قادوا عملية التوغل الفرنسي في الصحراء الموريتانية، مطلع القرن العشرين، عن تجارة الصمغ العربي ونمط المفاوضات بين البيظان والتجار الأوروبيين البيض.

وقال: "المفاوضات الأولية تأخذ وقت طويلاً ونقاشاً وتشهد كثيراً من العراقيل. فليست هناك حيلة من الحيل إلا ويعرف البيظان كيف يستخدمونها، ولا نوع من الكذب والخداع إلا ويحسنون اختلاقه من أجل الحصول على ثمن أغلى من ثمن البيع في السنة السابقة. فالملوك والشيوخ يعرفون مائة نوع من المكر والخداع، ومائة ألف نوع من الحيل من أجل انتزاع هدايا ورسوم أهم بالنصب والاحتيال".

وتابع: "البيظان لديهم بعض الهدوء المشوب بالمكر والخبث والذي يجعل البيض (الأوروبيين) تحت المطرقة. فصبرهم وهدوء أعصابهم يُشوَّشان عمل الأوروبيين الذين يريدون إبرام الصفقات بحدة ونفاد صبر بينما يريد البيظان الحصول على بعض الهدايا والأرباح خلسة".

ويواصل الرائد جيلييه حديثه ويقول: "على كل حال فإنْ كان البيظان يتظاهرون خلال معاملاتهم بالخشونة والكذب والخداع فإنه يجب أن نعترف لنكون عادلين بأن هؤلاء التجار البيض كانوا يستخدمون في حق أولئك وسائل غير مشروعة أحياناً".
حديث عن النمط الغذائي والصحة
النمط الغذائي والصحة أمور من ضمن أخرى لفتت انتباه رينيه كايّيه (Rene Caillie) وهو مستكشف تجوّل في منطقة "لبراكنة"، جنوب موريتانيا بين عامي 1824 و1825.


وكان كايّيه يطمح إلى استكشاف مدينة تمبكتو العريقة، وحقق حلمه برغم تعدد العوائق التي واجهته. وقد تظاهر أثناء وجوده في منطقة "لبراكنه" بالإسلام وقال إنه مصري اسمه عبد الله، وذلك من أجل الاندماج في المجتمع.

وقد نُشرت رحلته أول مرة عام 1830 وأُعيد نشرها عام 1989 بعنوان "رحلة إلى تمبكتو". ونقتبس من الكتاب: "البيظان على العموم لا يتغذون أثناء فصل الأمطار إلا باللبن لتوفره بكثرة في هذه الفترة من السنة. وإذا كان الأكثر ثراءً من بينهم يذبح أحياناً كبشاً، فإن ذلك نادر الوقوع".

وأكد كايّيه أيضاً "إن البراكنة لا يأكلون السمك، بل يعتبرونه مقرفاً رغم أن الشريعة لا تحرّمه، فرائحته الكريهة تقززهم".

وأضاف: "لاحظت أن البيظان على العموم ليسوا عرضة للأمراض الخطيرة... لقد شاهدت طوال إقامتي [تسعة أشهر من التجوال بين البراكنة] رجلاً واحداً مصاباً بالجذام ومكفوفاً واحداً، ولم أصادف إنساناً أبرص، إذ يبدو أن هذا المرض غير معروف عندهم، كما أني لم أصادف في تلك المنطقة إنساناً أعرج".