الجمعة، 19 أغسطس 2011

عن حرمان الحراطين من التعليم


في سنتي الأولى من الابتدائية كان الفصل عبارة عن جداريه بديعة الصنع تعبر عن موريتانيا بكل ألوانها وأطيافها واختلافها و سمفونية استثنائية قمة في الإتقان ...فأينما وليت وجهك تجد موريتانيا بحرا طينها وزنوجها وبيظانها.

ومع تقدمي في الابتدائية بدأت اللوحة تفقد بعض ملامحها وتبهت ألوانها وتضيع جاذبيتها، فللأسف، كان خبرنا الرئيسي والمعتاد في المدرسة فلان ترك الدراسة واتجه إلى العمل على عربة لجمع القمامة أو فلانة غادرت مقاعد الدراسة وأصبحت تخدم في البيوت أو فلان أصبح يعمل في مرآب للسيارات، وعادي جدا أن يتحول الأول على القسم في الفصل الأول من السنة إلى عامل في الفصل الثاني و للأسف دائما هذا الشخص من فئة "الحراطين".

ولم نصل إلى مرحلة ختم الدروس الإعدادية إلا أصبح تواجد عنصر "الحراطين" قليلا جدا في مدرستي... وعندما كنا نتساءل عن السبب نجد إجابة واحدة أن العوز والفقر وضيق اليد هم السبب وراء تركهم الدراسة، فعائلاتهم ليس باستطاعتها توفير مصاريف الدراسة وبحاجة إلى مجهودهم لتوفير لقمة العيش التي نزحوا إلى نواكشوط لأجلها فاللاهث وراء قوت يومه غير قادر على تعليم أولاده ولا التفكير في مستقبلهم.

وعندما كبرت لمست خطورة الجريمة شريحة مستعبدة لجهلها ومستغلة لفقرها، فمن يزور مناطق تواجد هذه الفئة في"أدباي" يكتشف ضخامة المعاناة وفحشها.. شعب لا يكتب ولا يقرأ لا لأنه اختار ذلك بل لأن هناك رهط من المتنفذين لا يريدون أن يكون هناك جيل متعلم حتى يتسنى لهم السيطرة عليه واستغلاله واستعباده...
والسبب هو غياب الدولة و استقالتها من مهامها وفشلها في وضع برامج ناجعة لتنمية الإنسان الموريتاني وتطوير قدراته وتنمية مواهبه وأنك إن كنت قليل الحيلة في موريتانيا فمصيرك الشارع والجهل والعدمية... وهنا أريد أن أطلق دعوة لعلها تلقى صدا مفادها: 

أنه على الدولة الموريتانية وضع سياسة تميز إيجابي لهذه الفئة المسحوقة المحرومة من أبسط حقوق الإنسان وهو "التعليم"، مثل أن توضع برامج تعطي أبناء هذه الفئة المعوزة منح مالية تساعدهم على الدراسة وتوفر لهم السكن اللائق في المدارس حتى نستطيع تكوين جيل متعلم من هذه الفئة قادر على تنمية الوطن خال من عقد النقص عارف بحقوقه مؤمن بالمواطنة والدولة، ووضع سياسات اجتماعية تستهدف "آدوابة" تعليما وصحة واقتصادا.

فباعتقادي بغير معالجة هذا المرض واستئصاله ستظل موريتانيا متخلفة لا مواطنة فيها ولا نماء مهددة بالانتقام الطبقي ومزيد من التصدع في الشكل البنيوي، فمن غير المعقول أن تظل فئة لكونها سيطرت على موارد الدولة تحظي بفرصة التعليم وفئة أخرى لفقرها مصيرها الجهل والتخلف والاستعباد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق