الاثنين، 18 سبتمبر 2017

بوح عن صديق


مرت بي لحظات آثرت فيها الوحدة هربا من زيف الأحداث والشخوص، لم أعد أجد نفسي في تجمعات البشر الزائفة، أنوفهم المزعجة وعيونهم الوقحة وأفواههم الكاذبة لم تترك لي مجالا للرغبة في الخروج من عزلتي، وحتى وإن جربت، أشعر بالوحدة في حشودهم، حتى أني مللت من نفسي البشرية.
ضعت دهرا في رحلة بحث عبثية، كنت أبحث عن شيء لم أستطع فك شفرته، جربت الحياة بكل تمثلاتها، أطلقت العنان لرغباتي حتى المجنونة منها!.
طالت الرحلة لكن النقص زاد، والتيه توطن والحيرة صارت نهجي.
كنت كثير الرؤى لكن من دون مبالاة، لم أحاول فهم أي رؤيا، فلم أهتم. اشتدت حالتي بؤسا، لكن لقاءنا الأول، كان بداية لشيء لم أفهمه ساعتها.
كان صدفة غريبة تشبه الحلم الهامس، كان هادئا في مكان مفعم بالحياة، وكان الوقت متأخرا نسبيا ولم أكن تلك الأيام أخطط للسهر في جماعة كبيرة؛ لكن حضوره بعث في رغبة البقاء. لم يسبق لي الحديث معه رغم أني سبق ورأيته في أماكن أخرى لكن دون كلام، ولا أعرف هل تفطن لي قبل لقاءنا الأول.
كانت سهرة لطيفة، تحدثت فيها كثيرا؛ فليلتها اجتاحتني رغبة في الحديث معه لأطول وقت ممكن فقد شعرت أني أحدث نفسي، كلامه كأنه صوتي الخفي أو شيخ نقي السريرة أحتاجه.
كانت سهرة روحية علاجية أزالت ضيق صدري ونفسي وخففت أرقي.
مرت الأيام بعدها ليتحول لأهم شيء في يومي، وكأنه شيخ وأنا مريده أو أني الشيخ وهو مريدي؛ فاليوم الذي أقابله فيه كأنني ظفرت بمعني الكون وحين يغيب أشعر بالنكوص والغم.
لم أفهم ما الذي حدث وماذا تعني حالتنا؟ لكني اقتنعت أننا روح واحدة في جسدين، أفكارنا متناسقة كالمجرات؛ هو بالتأكيد نفحة رمضانية مباركة.

زاد استغرابي، وفي ليلة رمضانية مقمرة وصافية الجمال. زارني المعلم شمس التبريزي، وقال لي: "جئت لأطفئ حيرتك، أنت وهو حالة نقاء والتقاء تتكرر كل سبعمائة سنة وأزيد قليلا، هو رفيقك الروحي كما كان جلال الدين الرومي رفيقي الروحي، أنتما، أنا وهو ولا يمكنني تحديد أيكما أنا وأيكم جلال؛ فذلك يفسد المعني، أنت وهو تكرار لحكاية جدك وجده".

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

حنين

مدينة بوتلميت

يحدث أن نضيع منا في زحمة اليومي، يشكلنا الواقع، ويحدد أولوياتنا ثم تتسرب ذواتنا منا، نصبح غيرنا وجزءا من كل وننسانا.
نضيع في العام ونهدر حقنا الخاص، وحاجاتنا الروحية؛ لكن بعض الأحداث ولحظات الصفاء  تمطرنا بماء الذكريات، يغسلنا ويعيدنا للبدء، للتكوين الأول، وللحميمة والطفولة وللبراءة؛ لما قبل التوجهات والتصنيفات المفروضة أو المؤنسقة والمغلقة بأبواب الوثوقية والقطيعية، لأصدقاء الصبا وأماكنه؛ وقد يحدث ذلك من دون سابق إنذار.
وأنا اليوم، بدأت فيما يشبه رحلة الهجرة نحو محيط الذكريات، أبحث عن أشلاء البدايات؛ لأجمعني من جديد وأعيد التشكيل.
ولا يفارق مخيلتي طيف صديق طفولة في مدينتي الأولى، المدينة التي تسكنني رغم أني لم أسكنها.
 يغزو صديقي مخيلتي بكل ود، لا أتذكر اسمه لكنني قادر على  رسم شكله؛ فأنا رسام أضاع موهبته العيش في مدينة الظلم واللامعنى.
 وقد قابلته ذات مرة لكنه لم يلحظني ولم يعرفني؛ عله فعل السنين، يال حقارة الزمن والواقع.
أحن للمدينة وتفاصيلها ولصديقي، لإبراهيم ولد الدولة وترنيمته المباركة "ميمونة دارت ميالة"، ولقهقة سناد ولد أشوايل، وضربات لحبوس البلهاء للكرة أيام  ملاحم"ترنوار"، وصعود سعيدة ولفيجح.
 مخاوفي كبيرة، أخاف أن تكون ذكرياتي متوهمة أو مجرد خيال روائي فاشل أو تلبية لأغراض نفسية.
 سأواصل البحث، فالعملية ممتعة وثرية، والصديق قد يكون مجرد فكرة تناديني أو قيم ومرحلة من السمو والزهد أحتاجها، أو مجموعة من الرفاق الروحيين، إذن هو موجود وقد يتشكل في أشكال تعددية؛ صديقي فكرة وروح.

*أعتقد أن لوحة مفاتيحي هي من كتبت هذه الهلوسة ونشرتها من دون إذني، لذلك وجب التنبيه.

الاثنين، 10 أبريل 2017

الموريتاني يصارع الاحتباس الحراري وحيدًا!


بدأت المياه في السنوات الأخيرة تكدير صفو حياة المواطنين الموريتانيين المقيمين في العاصمة نواكشوط، حيث تحولت بعض أحياء هذه المدينة لأماكن محتلة من المياه المنبعثة من باطن الأرض، وغمرت منازل السكان وفرضت عليهم ترك مناطقهم والذهاب لمقاطعات وأحياء أخرى من المدينة، ومن أكثر مقاطعات نواكشوط تضررا من هذا الواقع، مقاطعات الميناء والسبخة ولكصر(خاصة منطقة سوكجيم ps (وتفرغ زينة، فبعض أجزاء هذه المقاطاعات أصبحت بحيرات دائمة وغمرت المياه بعض المنازل فيها، ولم تنفع محاولات السكان مقاومة هذا التغيير الذي حدث في مناطقهم وحولها لأماكن غير صالحة للسكن، وقد تضرر من هذا الواقع العديد من الأسر الموريتانية ومرجح للأن يتفاقم عبر الأيام والسنوات، وهذا الواقع ليس بالمستغرب ولا المفاجئ، فحسب البنك الدولي ، مدينة نواكشوط تقع ضمن قائمة أكثر عشر مدن في العالم تضررًا من الاحتباس الحراري، وهناك عدة دراسات أخرى، تقول أن المدينة في طريقها للاختفاء بسبب غمر المياه لها، فحسب دراسة موريتانية رسمية، سيختفي 80% من مساحة نواكشوط في ظل خمسة عشر عاما، حيث ستغمرها المياه، وهناك دراسات تتنبأ باختفائها في سنة 2050، وذلك ما تحدثت عنه دراسة أعدها المركز الجهوي للاستشعار عن بعد لدول شمال أفريقيا.

مدينة نواكشوط التي وضع حجر أساسها قبل استقلال موريتانيا بفترة وجيزة - استقلت موريتانيا 1960- وتحولت لأكثر مدن موريتانيا اكتظاظا بالسكان ومكانا لصنع القرار والسياسات العامة للدولة، تقع تحت سطح بالبحر بما يقارب 50 سنتمرا، وعبر الزمن تآكل الحاجز الرملي الطبيعي الذي كان يحميها من مياه البحر، حيث تم بناء المدينة برماله، فقد ظلت لزمن طويل هي المصدر الأساسي لكل عمليات البناء والتشييد، وهو ما تسبب في فتح ثماني عشرة ثغرة في الحاجز الرملي الطبيعي، وهو ما يعتبر تهديدًا خطير على المدينة.

وتقع المدينة على بحيرة جوفية مالحة يلاحظ ارتفاع منسوبها بشكل كبير، ويعزى ذلك لغياب شبكة للصرف الصحي في المدينة وهو ما يسبب أيضا تحول المدينة في موسم الأمطار لمستنقع كبير، حيث تتقطع أوصالحها وتتعطل حركة المواطنين. وقد تشبعت الأرض في بعض مناطق المدينة بالمياه المالحة وأصبحت غير صالحة للبناء، فمع كل حفر تنبعث المياه من باطن الأرض.

وأمام هذا الواقع المقلق تحدث أحيانا بعض المحاولات للتدارك، مثل محاولة تقوية الحاجز الرملي والحد من استنزافه، وكذلك محاولات بدائية لشطف المياه خاصة مياه الأمطار يقوم بها مكتب الصرف الصحي في العاصمة، لا كنها لا تصل لمرحلة الجدية في مجابهة خطر الماء الداهم.

نلاحظ مما سبق أن التغيير المناخي بدأ يتسبب في خسائر جمة للمواطنين الموريتانيين وفي طريقه لخلق المزيد من الخسائر، حيث يفرض عليهم ترك منازلهم والنزوح إلى أماكن أخرى، وهو ما يعني تكاليف مادية تثقل كواهلهم، كشراء قطع أرضية وبناء منازل جديدة أو تأجيرها، وهذا يفرض أن تكون هناك استراتيجية حكومية رسمية على المدى القصير والطويل، لتعويض المتضررين من هذا الواقع وهو ما لا يوجود لحد اليوم ولا تحدث إشارات توحي بأن النظام الحاكم في موريتانيا لديه مخطط أو نية للسير في هذا المنحى، إذن المواطن الموريتاني يقاسي من أضرار التغيير المناخي وحده من دون مساعدة الحكومة ولا دعمها، وهو أمر بالغ البؤس، لذلك أعتقد أنه من الضروري خلق حراك مدني فاعل ومؤثر من أجل المطالبة بتعويض من تضرروا من الواقع البيئي المضطرب في العاصمة وكذلك المتضررين اللاحقين منه، وأن يتوقف التفرج على المواطن وهو يصارع التقلبات وحيدًا، فتلك جريمة آن لها أن تتوقف.