الأحد، 29 مارس 2015

نقاش مع البروفسور عبد الودود ولد الشيخ

جانب من الحضور

التلوث ينخر عقولنا وأجسادنا، فعوادم السيارات ودخانها والأوساخ بأنواعها وأشكالها تغزو عالمنا الموريتاني الصغير، وخطابات الجنرال المسمومة الباعثة على البلاهة والإحباط تطارد مسامعنا بغية خنقنا، وحين نجد فرصة لتنظيف أنفسنا من درن هذا الواقع الموغل في وحل الرداءة ، يكون تفويتها بمثابة السير نحو أفق الانتحار، لذلك لم أستطع تفويت حضور الدكتور عبد الودود ولد الشيخ عالم الاجتماع الموريتاني للقهوة التونسية بنواكشوط، وسعيه لنقاش بعض الشباب الحالم بغد أفضل، وطبعا لم أستطع ترك الفرصة تفوت من دون تسجيل قبسات من كلامه.

أتانا الرجل في زي وإطلالة توحي بالتواضع الباهر، غير متكلف ولا متشجنج على غير عادة ”نخبتنا” الجميلة المصابة بجنون العظمة (لا أعرف ماذا غرها رغم أن اسهامها في تطوير العقل البشري شبه معدوم، بل معدوم؟!)، وقد تميز خطابه بهضم واضح للذات وخصلة أخرى تندر في شعبنا ”العظيم”، وهي حضور” لا أعلم” و”لا أعرف” و”النسبية” وقلة الوثوقية.

بدأ النقاش بشكل عفوى واستمر على نفس النهج الجميل، سألته عن وجهة نظره في تصاعد التشدد في بلدنا، رغم أن فترة السبعينيات وحتى ما قبلها حسب ما حكي لي كانت تشهد انفتاحا، مثلا، كانت العائلات تذهب للسينما وكان هناك نقد ساخر يقدمه همام لو قام به أحد اليوم لاتهم بأشنع التهم، واليوم نعيش في ظل حالة من التردي فكلما تكلما أحد أو قام بعمل فني قامت الصرخات المتشنجة وبدأت المطالبة بوضع حد له، وقد عزى ذلك إلى هجرة أهل الريف إلى المدينة واكتظاظها، والضغط الذي حدث على المدارس وعدم وجود استراتيجية للتعليم تستوعب الجميع، وضعف مناهج التعليم، وحضر أيضا فيلم تمبكتو للمخرج عبد الرحمن سيساغو في النقاش، حيث قال أن النقاد الغربيين اعتبروا أنه قدم ”الجهاديين” في ثوب إنساني واستغرب الحملة التي شنت عليه، وشمل النقاش عدة جوانب، مثل الجيش والقبيلة والطبقات المهمشة وحراكها.

فقد تحدث عن كتابه القبيلة والدولة في افريقيا، حيث قدم عرضا مختصرا للكتاب الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات ضمن سلسلة أوراق الجزيرة، وتحدث عن نظرة التطوريين بزعامة مورغان للقبيلة بالاضافة لرؤية للماركسيين، والتي تقول أن القبيلة نظام سابق للدولة، وتحدث عن إشارته إلى بن خلدون في الموضوع، و قال أنه تحدث كذلك في كتابه عن المدرسة الوظيفية التي تعتبر القبيلة مناقضة لنظام الدولة، وأكد على أن أهم ما في الكتاب هو أنه ببليوغرافيا لأهم المذاهب والمفكرين الذي اهتموا بالموضوع، وكان أغلبهم أجنبيا، وتحدث كذلك، وقال أنه قدم مفهوم الدولة انطلاقا من نظرية ماكس فيبير، التي تقول أن: “الدولة كيان سياسي يستطيع أن يتحكم في الاستخدام المشروع للعنف في إطار جغرافي معين على مجموعة معينة من الأفراد”.

تحدث البروفسير عبد الودود عن الإمارات التي كانت تسيطير على الفضاء الموريتاني قبل ميلاد الدولة الحديثة، حيث وصفها بالدولة الجنينية، أي نواة للدولة، وتحدث عن وجود سلطات: تنفيذية وقضائية في تلك الإمارات رغم أن ذلك لم يخرج عن نطاق العصبية القبلية. وقال أن البعض ذهب إلى تشبيه تشرذم القبائل بتشرذم التروتسكيين، وأكد على أن هناك من يقول على أن القبائل لا تقوم من دون الحروب والصراعات، فقد وجدت لذلك الغرض، وأكد البروفسور على أنه ينبغي تحطيم البنى المعارضة للدولة حتى نتحدث عن قيام دولة حقيقية.

حوار البروفسور الشيق، وصل أيضا إلى ظاهرة المطالب الفئوية، خاصة فئة الحراطين ولمعلمين واعتبر أنه أمر طبيعي وناتج عن تفكك البنى التقليدية في المجتمع وكذلك لولوج أبناء هذه الطبقات المهمشة إلى التعليم وانتشار الانترنت، وكان البروفسور تحدث في بداية كلامه عن الخطاب الذي يصدر من حركة انبعاث الحكة الانعتقاية( إيرا) ووصفه بالطبيعي في معركة استعادة الحقوق والديمغاوجية التي تطبعه مطلوبة وتكتيك معروف حتى ولو تميزت ببعض التهويل والكذب لكنها مطلوبة من أجل الضغط.

الحوار حضره بعض مناهضي الحكم العسكري في موريتانيا وبالتالي حضرت أسئلتهم ومن ضمنها، ماهو الجيش الموريتاني؟، وكان رد البروفسير، هو أن بعض الدراسات تقول أن الجيش هو النواة الصلبة التي تتشكل أساسها الدول وأنه عبارة عن هيئة تعاقدية أو أخوية لها طابع مميز عن بقية الشعب أو ما يشبهها، وأردف قائلا:”تأخذ الجيوش شكلها النهائي وتتبلور بعد خوضها لكثير من الحروب وتقديم الكثير من التضحيات من أجل شعوبها، حتى تجد مكانا في وجدان شعوبها، فتجد تماثيل لقادتها التاريخيين وشوارع بأسمائهم، مثل شارع ديجول وشارع نيلسون، وأن الجيوش ترى أنها وصية على دولها، أما بخصوص وضعنا في موريتانيا فذلك لم يحدث منه شيء وأضاف ساخرًأ:”من يشاهد زي الجيش يلاحظ العبثية وعدم النظام المعروفة عن الجيوش في العالم”، وتحدث عن التكوين وقال:”قد تكون ثقافة الجيوش ترسخت في عقول من تكون في الغرب لكن بخصوص من تكون في المشرق أظن أنهم طبعوا بالتسيس، والجيش تحول إلى منصة للوصول للسلطة، مثلا، البعثيين والناصريين وغيرهم، دخلوا الجيش من أجل الوصول للسلطة عبر الانقلابات” وخلص إلى أنه يعتقد أن حال الجيش لا يختلف عن حال المجتمع المطبوع بالطابع العشائري والقبلي.

وطبعا حضرت الانتخابات، فتحدث البروفسور عنها وقال:”الانتخابات في إفريقيا لم تكن نتاج محلي بل جاءت بإملاء خارجي، خاصة ما يسمى إفريقيا الفرنكو فونية، حيث قام فرانسوا ميتران في خطابه الشهير بمطالبة الدول الدول الإفريقية بالانتقال إلى الديمقراطية حتى تستفيد من الدعم الفرنسي، حدث ذلك كأحد مخرجات سقوط جدار برلين وانتهاء الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، هذا جعل الأنظمة تنتقل إلى محاولة خلق تعددية ولو شكلية، وحسب ملاحظتى، ويقول الدكتور:” ذلك الوضع لم يأتي بشيء مهم، فقد خلقت تلك الحالة عودة قوية للطرح العشائري والقبلي”، ويضيف عبد الودود قائلًا:”بالنسبة لوضعنا فقد قمت بدراسة للتعاون الفرنسي حول الحالة المدنية، زرت فيها مناطق موريتانية عديدة، ومن المفارقة، زرت عائلة وسألتها إن حدث وتوفي منكم أحد هل ستبلغون الحالة المدنية، فكان ردهم، تريد أن نموت وندفع أيضا(هناك رسوم تدفع عن شهادة الوفاة)”، وأضاف:” حسب اعتقادي نحن في شعب لا يموت منه أحد، وذكر قصة في سوباولو، حيث قام العمدة بإصدار تعميم مكتوب فيه(هذه المدينة محرمة فيها الموت)، وهذا يعني أن الحالة المدنية والانتخابات لم يصل لمرحلة لها نتيجة، فتطغى عليه الصبغة العشائرية والقبلية، مثلا تقول لك جماعة قبلية نحن أعطينا كلمة لفلان”.. وخلص إلى أن هناك تشائم لدى الجميع وشبه قناعة بأن الانتخبات في بدلنا لا يمكنها تبديل نظام الحكم، وهذه قناعة لديه هو أيضا.

وتحدث عن مشاركته بيير بونت في دراسة أثبتت وجود انتماء طبقي في السبعينيات في أوساط العمال، فعندما يسأل الواحد منهم الآخر يقول له: ماهي درجتك العملية؟ بدل ماهي عشيرتك؟، لكن المشهد تغير الاَن ويسيطر عليه الطرح القرابي والعشائري وهذه انتكاسة، لكن تساءل في حديثه عن إضراب (سنيم) حول إمكانية عودة تلك الروح القديمة لدى العمال والتي كانت نتيجة لنضالات مشتركة، فذلك هو الطريق نحو أي تغيير جذري.

لم يخلو الحديث من نقاش الهوية، خاصة الأصول والرافد البربري للهوية الموريتانية، فقد بدأ حديثه بتأطير لإشكالية الأصول وقال أن أدلجتها لا تخص موريتانيا فقط، فقد تحدث عن كتاب مورمون وعن الدين الناشئ في القرن التاسع عشر على يد جوزيف سميث، الذي قال: أن البشرية منحدرة كلها من اَدم وحواء وأن من استطاع ايجاد سلسلة لنسب لاَدم بإمكانه أن يقوم بطقوس لسترجع مكانه في الجنة”، وأتباع هذا الدين لديهم نسب البشرية كلها ويقال أن لهم دور كبير في تطوير المعلوماتية، وخلص إلى أن قضية الأنساب مجرد قصة حبكها الناس ولا أساس لها، فتتبع أنساب الأشخاص أمر مستحيل، ورد على سؤال حول قضية الوجود البربري في موريتانيا، وقال:” هنا لم يعد هناك من يقبل أنه بربري، لكن حسب ابن خلدون فان كلمة صنهاجة هي تعريب ل(أزناكة) وليس العكس، لكن هؤلاء الناس لا يقبلون أنهم بربر رغم أن لغتهم هي أكلام أزناكة(كلام أزناكة هو إحدى اللهجات المشكلة للغة الأمازيغية) الذي لا يزال موجودا بشكل ضئيل وهم أكثر سكان هذه المنطقة قبل مجيء قبائل بنى حسان، وقد حدثت عملية انصهار بين تلك القبائل وقبائل بنى حسان لم يعد بالإمكان التفرقة بينهما، وسبق ذلك احتكاك بين قبائل صنهاجة وبربر جنوب المغرب.

انتهى اللقاء بالتقاط الصور وبفتح نقاشات جديدة بين الشباب وقطعا ساهم في تنظيف بعض العقول لكنه ترك غصة في نفوس الشباب لكون أمثال البروفسور لا يجدون التقدير اللازم في وطنهم، فعبد الودود ولد الشيخ يعيش في فرنسا منذ أكثر من عشرين سنة.

الجمعة، 27 مارس 2015

لقاء الجنرال وحجب المعلومات

صورة من التلفزة الموريتانية بعد قطع البث أثناء اللقاء

انتهى جزء جديد من عروض الجنرال الهزلية التافهة، تلك العروض الكاشفة دوما لمدى ارتباك طرحه وضئالة احترامه، ومستوى احتقاره للمواطنين، لم أشاهد جل اللقاء وذلك عن سبق إصرار وتعمد، فأنا لست من المحبين لسماع الكذب، لكن سمعت بالصدفة ومن دون قصد، الصحفي أحمد ولد وديعة يطرح إشكالية مهمة وهي حجب المعلومات عن الصحافة، وسمعت الرد التافه من قبل الجنرال ولد عبد العزيز، الذي قال نحن نحجب عنكم المعلومات عن قصد خوفًا من تحريفها، فقد كان يحاول كعادته التهرب ببلاهة، من يخبر الجنرال التائه أن حق الولوج إلى المعلومة من أبجديات حقوق الانسان بل يعزز بقية حقوقه؟، من يخبره أن للمواطن الحق في الاطلاع على ما يحصل في مؤسسات دولته فما بالك بالصحفي الذي يعتمد عمله على المعلومات وأي حجب يعد تعديا على حقوق الانسان؟
متى تبدأ صحافتنا المستقلة ومجتمعنا المدني النضال من أجل انتزاع ذلك الحق؟ ومتى تتوقف المراحيض الألكترونية  عن حديث حرية التعبير في بلد تحجب فيه المعلومات؟ فالإدارات  والمرافق العمومية  تتلكأ بل ترفض التعاطي مع الصحفيين حين يحاولون استفسارها في أمر يخصها والمواطن أصلا لا مكان له من الإعراب في أجنداتهما، وفي دولتنا لا يوجد قانون يفرض حق الولوج إلى المعلومة رغم أن الكثير من دول العالم أصدرت قوانين تفرض ذلك الحق ومن بينها دول إفريقية تجاورنا، مثل تونس، ونيجيريا، لذلك يعد الحديث عن حرية التعبير ضربا من ضروب الخيال العلمي وتجديف غير مستساغ، فحق الولوج إلى المعلومة هو الضامن الأول لعملية مراقبة المواطن لممثليه في البرلمان والإطلاع على مستوى عمل موظفي الدولة ومدى نجاعة الحكومات في تسيير شؤون بلدانها، وهو أهم ركيزة في الحكم الرشيد لما يتيحه للمواطن من قدرة على مساءلة حكومته عن بينة  ووعي ويمكن الصحفيين والمنخرطين في منظمات المجتمع المدني من كشف مواطن الفساد والممارسات الملتوية في الإدارة، فانفتاح الإدارة يساهم في مكافحة الفساد فالانفتاح والشفافية وتسهيل المعلومات للمواطنين أمور تساعد في تقليل الشائعات التي قد تضر المواطن والإدارة وحجب المعلومات يطلق لها العنان. فحق الولوج إلى المعلومة هو أكسجين الديمقراطية وإكسيرها، وتؤكد المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذا الحق، ومن مظاهر عدم اهتمام نظامنا بحق المواطن في الولوج إلى المعلومة، حالة مواقع الوزارات والمرافق الرسمية على الشبكة، فنجد اَخر تحديث لبعضها  تم قبل سنين وبمعلومات تافهة، بل أن بعضها لم يحدث أصلا وظل مجرد صفحة فارغة من المحتوى وحتى أن تأمينها ضد القرصة باهت كحال حكومتنا، فقد تمت قرصنتها لأكثر من مرة، فحالها منافي لأبجديات حوكمة الأنترنت التي تفرض على الحكومات توفير البيانات الحكومية للجمهور، بشكل سهل ومريح للتصفح.

وبالرجوع للقاء الجنرال نكتشف مدى استفحال ثقافة الحجب وسيطرتها على تفكير الرجل(وهذا أمر طبيعي فهو جنرال لا يعرف سوى الأوامر العسكرية ومكانه الثكنة لا سدة الحكم والسياسة)، فقد جعلته مداخلة الصحفي أحمد ولد الوديعة  في بداية اللقاء يأمر بقطع البث  فورًا كنوع من محاولة التعمية على ما يجرى،  في غياب تام لأي مظهر من مظاهر الشفافية.



السبت، 7 مارس 2015

المرأة الموريتانية على أفضل حال؟


بمناسبة عيد المرأة، أعيد نشر هذا الموضوع الذي كتبت لموقع السفير العربي عن حال المرأة في موريتانيا، ونشر بتاريخ 11/3/2014.

هناك صورة يتم تدوالها بشكل كبير في الإعلام الموريتاني وحتى العربي، وهي أن المرأة الموريتانية من أكثر النساء العربيات حظاً وأحسنهن وضعية في المجتمع. وهناك مؤشرات يستدل بها على ذلك مثل كونها لا تُحرم من السفر لوحدها وليست هناك عمليات اضطهاد ممنهجة تمارس ضدها، وأنها موجودة بشكل جيد نسبيا في المناصب (الحكومة الموريتانية الحالية تضم ست وزيرات)، وهناك نوع من التمييز الإيجابي خاص بالنساء في البرلمان، وكذلك فلا يعتبر طلاق المرأة عار في موريتانيا .
وهذه الأمور موجودة فعلا في موريتانيا (مع بعض التضخيم!)، لكنها لا تمثل كل تفاصيل الصورة. فالمرأة الموريتانية تعاني من موجة إرهاب شديدة تسبب لها الذعر: معدلات الاغتصاب ترتفع بشكل مطرد، وحالات تعنيفها تتزايد، وتعاني كذلك الزواج القسري المبكر والقوانين لا تحميها بالقدر الكافي.
القانون ضعيف في مواجهة المغتصبين

تتصاعد النقاشات حول تقصير القانون الموريتاني في حماية المرأة من شبح الاغتصاب وكل أشكال تعنيفها، بل تتعدى إلى اتهام القانون بالتواطؤ مع المغتصب وجعل المرأة هي المتهم الرئيسي في القضية. وتوجه انتقادات قاسية للمواد المتعلقة بالاغتصاب في القانون الجنائي الموريتاني، ويتهمها النشطاء بالضبابية وعدم الوضوح وحتى بالضعف. وهذه المواد هي المادتين 309 و 210، حيث تعاقب الأولى المغتصب بالأعمال الشاقة الموقتة من دون تحديد الفترة، أو الجلد (موريتانيا لا تطبق الجلد ولا الحدود)، وتغلظ العقوبة في الثانية إن كان الجاني من ذوى الأرحام حيث يتم رجمه .
وتعتبر الكثير من المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة أن هاتين المادتين تنتصران للمغتصب على حساب الضحية بل وتساهمان في انتشار ظاهرة الاغتصاب، حيث ان المغتصبة تفضل السكوت على التبليغ (90 في المئة من المغتصبات يفضلن السكوت) لأن التبليغ لن يجر لها سوى الفضائح، وعقاب الجاني ضعيف إن تمّ، فهو في أغلب الأحيان لا يعاقب. وتنتقد كذلك المنظمات طريقة تعامل القضاة مع قضايا الاغتصاب، فمثلا أول سؤال يطرح على الضحية: ما هو نوع ثيابك أثناء الاغتصاب، ولماذا خرجتي، وفي أي وقت... ما يضع الضحية في قفص الاتهام. وترى العديد من المنظمات أن القانون الجنائي الموريتاني لا يعترف أصلا بجريمة الاغتصاب ويخلط بين مفهوم الاغتصاب والزنا. وترى أيضا أن الشروط التي يضعها القانون من أجل إثبات حالة الاغتصاب مستحيلة، وهي اعتراف الجاني أو شهادة أربعة شهود. فالقانون الموريتاني لا يلجأ إلى فحص الأحماض النووية (ADN) ولا يعتمده إطلاقاً.
أمام هذه الحالة، بدأت بعض المنظمات في الآونة الأخيرة بالخروج إلى الشارع والاحتجاج أمام قصر العدالة ووزارة العدل والداخلية والقصر الرئاسي في نواكشوط من أجل المطالبة بتغليظ عقوبة الاغتصاب وتوفير الحماية القانونية للمرأة.
زواج القاصرات وضبابية القانون

من بين المشاكل المطروحة كذلك للنقاش زواج القاصرات، حيث تنشط عدة منظمات حقوقية ومبادرات موريتانية ضد هذه الظاهرة، مثل "مبادرة منع زواج القاصرات" و"رابطة النساء معيلات الأسر" و"مبادرة تكلمي". وتنوه هذه المنظمات باستمرار بخطورة الحالة على المجتمع وعلى مستقبل البلاد، وتقول إن زواج القاصر خطر على صحتها ومستقبلها الدراسي، وأنه هو السبب الأساسي في ارتفاع معدلات الطلاق في موريتانيا والتي وصلت إلى 73 في المئة من الزيجات. وتتهم هذه المنظمات القانون بالتحايل على الاتفاقيات الدولية. فرغم أنه حدد سن الزواج بـ 18 عاما إلا انه ترك ثغرة في حيث وضع استثناءا في مدونة الأحوال الشخصية يقول انه يسمح لوكيل القاصر بتزويجها في سن 16 في ظروف خاصة، من دون أن يحدد تفاصيل الظروف تلك، ولا أن يشرح آليات ومعايير هذا الاستثناء. إلا ان موقف الرافضين لزواج القاصرات يسبب الإزعاج للقوى المحافظة في المجتمع الموريتاني، حيث يرون أنه طعْن في السنة النبوية، وفي الشريعة الإسلامية.
بين الواقع والصورة المروجة

المرأة الموريتانية هي جزء من الحالة العامة لموريتانيا، حيث ان كل الأمور فيها شكلية ولا تتعدى الحبر على الورق. فالقانون لا يطبق أساس في البلاد وليس هو وسيلة حل النزاعات، وكذلك الضبابية تكتنف أغلب مواد القانون الجنائي ولا يقتصر ذلك على القوانين المتعلقة بالمرأة، والحكومات الموريتانية المتعاقبة تقوم ببعض الإجراءات الشكلية من أجل تحسين صورتها أمام الدول الغربية، مثل تعيين وزيرات والقيام بتمييز شكلي في البرلمان لمصلحة النساء، لكن الوزرات التى تعطى للنساء غالبا ما تكون عديمة الأهمية والبرلمان الموريتاني كذلك لا يعدو كونه مكان لالتقاط الصور في دولة لا تشهد استقراراً سياسيا، وحيث وسيلة تداول السلطة هي الانقلاب.
لكن في الوقت نفسه، يرى بعض المراقبين أن المرأة الموريتانية مقصرة كثيراً في حق نفسها، فنضالاتها من أجل حقوقها خجولة، الى حد أن النساء المناضلات في مجال حقوق المرأة يجدن أن أكبر العوائق أمامهن هي المرأة نفسها !