هناك وجوه فاتنة جاذبيتها تؤنس ولا تزيد المساحيق التجميلة ألقها وسحرها، أخاذة عند الاستيقاظ من الأحلام والكوابيس وفي الغفوة، وهاجة في كل الانفعلات، تختزل جوهر الجمال، تونس هكذا، جميلة ببذخ، رائقة في الصباح والمساء ملهمة في الليل، تماما كما أتصور جمال ملكة قرطاج عليسة( أليسار)، هذا ما تسلل إلى ذائقتي ذات لقاء حميمي. فقد أبهرتني البساطة الفخمة في سيدي بو سعيد وحالة التوهج والتناسق الماتع بين الأبنية البيضاء والأبواب الزرقاء، فقد حلقت روحي نحو النقاء والتصوف في الجمال وأنا أسير في أزقتها، كان ذلك في رحلتى نحو القهوة العالية لخطف لحظات بقرب السحاب والتأمل في البحر البهي، تونس جميلة بكل تفاصيلها وملامحها، خضراء ومنطلقة بحق، فالتحرر في شارع بورقيبة، يثير الإعجاب، و أحاديث الأصدقاء عن الثورة على الطغيان تحث على التشبث بإماطة شرذمة الحكام الفاسدين( رغم ما تكتنز تلك الأحاديث من حسرة على عدم الانتقال بعد إلى مرحلة الانجاز وبعض التأسي على الواقع الاقتصادي والأمني، وعودة بعض رموز الفساد للمشهد العام). الشارع يختصر الحاضر والماضي الثورة والبناء، العصرية والتراث، يعبر بجلاء عن التحرر من كل القيود البالية، فنور التحرر ينبعث مع حركات البشر وأنفاسهم ونظراتهم، وفي شارع بورقيبة ينتصب عبد الرحمن ابن خلدون واقفا ليشهد على إبداع المواطن التونسي وتقديره له، ويتمتع بجمال المكان ويستمتع بنور النساء العاملات المتحررات والشباب الثائر، يراقب عن كثب تجربة ذلك الشعب المهيب، وعبر باب البحر ولجت إلى عوالم جميلة من تاريخ تونس الثري، ذلك الباب المشيد في عهد الأغالبة، لأغوص في الفن التونسي والمشغولات والقهاوي الشعبية، طبعا من دون نسيان أخذ لحظات في جامع الزيتونة، الصرح المبهر الموغل في العراقة والمميز بعمارته الملهمة وإشعاعه العلمي الريادي.
ابن خلدون في شارع بورقيبة |