الخميس، 16 أغسطس 2012

غرق نواكشوط




التقارير والدراسات التي تفيد بأن أيقونة العواصم العشوائية في العالم نواكشوط مهددة بالغرق في ظرف عشر سنوات، تسبب الأرق والهلع بين الذين ابتلاهم الله بسكنها والارتباط بها.

خاصة أن بوادر غمر مياه المحيط لهذه المدينة الشيطانية بدأت تتجلى فالمياه أصبحت تخرج من باطن الأرض في بعض مقاطعات المدينة...أصبحت تخنق حياة الناس وتجعلهم يهاجرون إلى أماكن أخرى في انتظار الغرق الأكبر...حيث ستنطلق مياه المحيط الأطلسي في رحلة غدر لتغرق نواكشوط وتتجاوزه إلى الكلم 150 شرقا حسب رأي الدكتور زغلول النجار وخبراء دوليين .

لكن ليس غمر المياه هو ما يهدد مدينة نواكشوط فقط... بل هناك طوفان وفيضان اَخر يهددها وهو الظلم والقهر ...طوفان أخطر وأكثر بشاعة وفتكا ...طوفان مليء بالمآسي ...مائه حارق وماحق .

ففي مدينة الأشباح نواكشوط لاتخلو نقطة مرور من ذلك الطفل الوديع المتهرئ الثياب ذا العيون الذابلة التي تحكي ظلم أهل المدينة وهو يحمل خردة علبة طماطم يستجدي عطف الناس لكي يعطوه ما تيسر من نقود لا لنفسه بل لذلك الشيخ الظالم الذي أرسله ليقتات من بؤسه ولا يخلوا مراَب لإصلاح السيارات من ذلك الطفل الذي تورمت خدوده بسبب صفعات صاحب المراَب و تأكسدت قريحته من كثرة الشتائم التي يتلقى.

أيضا، كلما خطت قدماك في هذه المدينة صادفت ذلك الطفل الغاضب بالفطرة المحروم من التعليم وهو على ظهر عربة لنقل أوساخ أهل المدينة ...تلك الأوساخ التي تحوى دائما ما يحتاجه ذاك الطفل ليكمل نهاره من طعام وكلما كنت أكثر حبا للاستكشاف لابد أن تجد تلك المنطقة التي يعيش سكانها في صراع مع الطبيعة والدولة والحظ العاثر ...

تلك المنطقة المسماة "الكزرة " حيث يعيش أغلب فقراء هذه المدينة حيث تحكي قصة الهجرة من مدن الداخل إلى نواكشوط بعد الجفاف الذي ضرب أجزاء واسعة من البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بعد أن فقد السكان مصادر الحياة الأساسية في بواديهم.

حيث يعيش سكانها في انتظار اليوم الذي يمتلكون فيه قطعة أرض ومسكن يقيهم حر المدينة وغبارها...مسكن يحميهم من كلاب المدينة الضالة، يحفظ كرامتهم وآدميتهم.

ينتظرون اليوم الذي يشربون فيه الماء من الحنفية بعد أن قضوا حياتهم يطاردون ذلك الحمار الذي يقدم لهم السقاية...ينتظرون ذاك الماء الملوث المسبب لشتى أنواع السقم ... يعيشون على أمل أن يناموا يوما واحدا وهم لا يفكرون كيف سيسكتون جوع أطفالهم، وكلما اقتربت من أكواخ وبيوت الأحياء العشوائية لفحتك نار غصاة وأنفاس المطحونين القاطنين فيها وفي هذه المدينة الظالم أهلها على الفقير أن يقدم الرشوة وينعق النعال لكي يحصل على حقه وفي كثير من الأحايين لا تنفعه لا رشوة ولا تملق في أخذ ذلك الحق، وفي مدينة الأشباح تشهد الشوارع على قمع كل من يفكر في الاحتجاج على ظلم أباطرتها للمسحوقين...

ففي مدينة نواكشوط على الفقير أن يظل ساكت على الظلم حتى يترك يتنفس الهواء.

كل هذه المظاهر تنذر بغرق المدينة في طوفان من الدم والإجرام، فأطفالها هم مجرمي و حاقدي الغد فقد حرم أغلبهم من التعليم فالأطفال يمثلون ربع العمال.

وفقرائها لابد أن يضيقوا ذرعا من الظلم وينتفضوا ويقتلوا الخوف فيهم ويسحقوا من يظلمهم ...لابد أن يثأروا لسنينهم التي ضاعت في مهب الريح بسبب الظلم ... تلك الانتفاضة التي إن تأخرت ولم يكن للنخبة فيها دور قد تكون دامية تفضى إلى غرق المدينة في نهر من الغل.

يبدو أن غرق المدينة أمر حتمى وأنه عقاب على تأسيسها على أساس خاطئ بداية من اختيار الرعيل الأول لموقعها عام 1957، حيث كان الموقع في منطقة صحراوية منخفضة تطل على المحيط الأطلسي، ونهج حكامها في ما بعد نهج الفساد وطحن السكان وتوسيع دائرة المسحوقين فيها.

لكن لو واصلت النخب نضالها و كانت على قدر اللحظة التاريخية قد تنجح في أن تنقذ على الأقل سكانها من الغرق في دماء الحقد بثورة سلمية تأسس لحياة أفضل ومدينة أجمل.