الاثنين، 1 ديسمبر 2014

حمى الضنك:عنوان اَخر للفشل

 تصوير موسى سيدي أبات

تحول الكثير من سكان المقاطعة الأولى في نواكشوط"تيارت" وما يجاورها من مقاطعات إلى مجموعة من"الزومبي" ،بوجوه شاحبة خالية من الروح كأنها خارجة  للتو من القبور والسبب هو حمى الضنك التي تفشت في الشهور الثلاثة الأخيرة من دون أي تحرك من وزارة الصحة ولا أي جهة جهات الدولة،فلم تخرج الوزارة المعنية ببيان يشرح طبيعة المرض ولا طرق الوقاية منه ولا تحاشيه ولم تقم بحملة توعية حوله ولم تعلن أي خطة استعجاليه اغاثية للمواطنين المراجعين للمستشفيات والذين وجدوا صعوبات في مراجعتها بسبب قلة الأطباء والأسرة والأدوية،والأنكى من ذلك أن الأطباء والوزارة لم يتعرفوا على المرض إلا بعد أشهر وحتى تصاعدت وتيرة الإصابة بهذه الحمى،حيث أرسلوا عينات من دم المرضى إلى العاصمة السنغالية داكار ووصلت النتيجة بشكل متأخر جداً وكان عدد المصابين يقدر بالآلاف وبالتأكيد قد ارتفع لأن هذه الحمى مازالت تنتشر ولا تصل لأسرة إلا وأصابت كل أفرادها. تسبب عدم معرفة الأطباء لطبيعة الحمى في تفاقم وضع عدة حالات بسبب العلاج الخاطئ من طرفهم، فقد تحول المرضى إلى مجرد فئران تجارب،وقد تسببت هذه الحمى لحد الاَن في وفاة أربعة مواطنين ثلاثة منهم في مستشفى تيارت وواحدة في المستشفى الوطني.
أمام هذه الوضعية خرجت  يوم الخميس 13 نوفمبر مع بعض رفاقي في حركة 25 فبرايرونشطاء اَخرين للتضامن مع سكان مقاطعة تيارت والتنديد بسكوت وزارة الصحة وعدم اتخاذها أي تدابير لمواجهة هذه الحمى التي أعطاها السكان اسم "حمى تيارت"،حيث رفعنا أمام مستشفى تيارت مع بعض سكان المقاطعة شعارات تطالب بتحسين القطاع الصحي واعلام الناس بحقيقة هذه الحمى ووضع اجراءات استعجاليه واضحة لمكافحتها والتوقف عن سياسة التعتيم وبعد انتهاء الوقفة مباشرة،حدث ما كان متوقعا وجاء الأمن بأمر من حاكم المقاطعة واعتقل مجموعة من النشطاء لبعض الوقت ليطلق سراحهم لاحقا،المهم،انتهت الوقفة، لتبدأ قصة أخرى وهي تحولي إلى زومبي بعد اصابتي في نفس اليوم بتلك الحمى التي تقول منظمة الصحة العالمية أن سببها
حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى. ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.
 وتقول عن طبيعتها وأنواعها:
الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض. فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح. أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
أمّا حمى الضنك النزيفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة. ويبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا. وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.
لا تسبب حمى الضنك تلك الأعراض فقط بل تصل بالانسان إلى مرحلة فقدان الشهية للحياة وتحوله إلى كائن خائر القوى.و قد كشفت حمى الضنك زيف ادعاء النظام بتحسن القطاع الصحي في موريتانيا، فدولة تترك مواطنيها لحمى تنهشهم من دون أي تحرك لا يمكن أن توصف بأن فيها قطاع صحي أصلاً،ودولة لا تملك لحد الاَن مختبرات تمكن الأطباء من تحديد نوعية حمى منتشرة عالميا وتلجأ إلى جارتها السنغال التي هي في النهاية مجرد دولة من دول العالم الثالث لا يمكن إلا أن يقال أن وضع الصحة فيها بائس،وأكدت أيضا تجربة هذه الحمى أن النظام مازال يصر على سياسة التعتيم على فشله ولو كان الثمن هو حياة المواطنين وأن أي شخص يحاول كشف ذلك الفشل سيتعرض للملاحقة والمضايقة.وأكدت لي أيضا هذه الحمى عدم ثقة المواطنين بالنظام فأثناء وقفتنا تحدثت مع بعض المواطنين عن ضرورة الاحتجاج على الوضع فكان رد أغلبهم بأنه لا فائدة  من ذلك فمن يحكم يعلم الوضع ولكنه لا يهتم لحياتنا المهم فقط عنده هو جمع المال. 
 لكن كما يقال من يهن يسهل الهوان عليه وبسكوتنا سنتحول كلنا إلى مجموعة من"الزومبي"،فمتى ننتفض ونضع حدا لهذا الوضع المهين؟بل متى نقرر الحياة بشكل طبيعي ونخرج من حالة المواطن الزومبي؟


الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

تمبكتو:فيلم وحلم

نحلم أحيانا وننساق وراء السراب لتأتي رياح الواقع المثقلة بالهموم وتوقظنا بصفعاتها البائسة وبالأمس كان لي موعد مع تلك الحالة،فقد حاولت تجسيد حلم طالما راودني وهو،دخول فيلم سينمائي موريتاني في دار عرض موريتانية، تحقق الأمر في جانبه الأول، فقد قطعت تذكرة لفيلم تمبكتو الموريتاني ولكن الدار فيها كلام وكلام، المهم، ما إن جلست على المقعد في انتظار العرض حتى جاء وقت تصدير الكهرباء إلى دول الجوار المسكينة وقطعت الكهرباء عن عاصمتنا المسكونة بالايثار وتقديم الاَخرين على نفسها.
انتظرت وعشت حالة من الغضب من الفعل المتخلف والناموس ورجعت لواقعنا الشقي،  انتهت المعاناة بعد ساعات وعادت الكهرباء من رحلة التصدير، وبدأ عرض الفيلم، وكان على قدر التوقع بالنسبة لي، فقد سار بي إلى عوالم جميلة من المشاعر الانسانية والصراع بين الحياة والموت، بين الطبيعيين من البشر والمرضى النفسيين، بين الفن والابداع والتخلف، وأكثر ما أعجبني فيه الرمزية السحرية وغياب المباشرة في الطرح ومحاولة مخرجه تقديم صورة بانورمية لحياة الناس في البقعة التي اختار لأحداثه وهي مدينة تمبكتو أثناء سيطرة الجماعات المتطرفة عليها، حيث قام بذلك من دون أن يربكنا بتفاصيل علينا البحث عنها في الأفلام الوثائقية أو الكتب أو التقارير الصحفية، من ضمن المشاهد التي أخذتني، غناء سيدة تتعرض للجلد من قبل الجماعة الإرهابية المتطرفة في الفيلم والطريقة التمثيلية والاخراجية التي ظهر لنا بها المشهد،  ومشهد مباراة شباب المدينة بدون كرة قدم بعد أن حرمت فيها تلك اللعبة من قبل شذاذ الاَفاق المسيطرين على المكان، والرقصة التعبيرية التي أداها أحد أفراد الجماعة المتطرفة بجوار المجنونة الأنيقة في الفيلم، ومحاولة المخرج تقديم لمحة انسانية عن المنخرطين في الجماعات الارهابية وأيضا وجود حالة من الفسيفسائية في الفيلم واظهار الجانب الابداعي لثقافات المنطقة المتعددة، عبر رحلات سريعة مع الموسيقي الجملية التي مازلت أتصور كيف لها أن تخرج من مكان وواقع كالذي يظهر في الفيلم؟ّ!.
استمتعت أيضا بأداء الممثلين وقدرتهم الفائقة على التقمص والابداع، وهو أمر لم أستغربه، فمن ضمنهم أصحاب إطلالات عالمية مثل الممثل الفرنسي ذو الأصول العربية أبل جفري الذي شارك سابقا في فيلم اَلام المسيح لميل غيبسون والممثل التونسي هشام يعقوبي، وراقت لي إطلالة الممثل الموريتاني سالم دندو، وكان لإشراف التونسي سفيان الفاني على إدارة تصوير الفيلم دور مهم في ألقه، فالمبدع التونسي سبق وأن أشرف على تصوير الفيلم الفرنسي"حياة أديل"للمخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش الفائز بالسعفة الذهبية لكان سنة 2013".
باختصار، أعجبني الفيلم كمتلقى وشعرت أنه يتخطى حدود المحلية والمكان ويعالج هما عالميا بأسلوب محكم يستحق الاشادة والولوج إلى المهرجانات الدولية، وهو ماحدث بالفعل، فسبق و دخل في المسابقة الرسمية لمهرجان كان العريق، أما أهل السينما فلهم قطعا نقدهم فهم بالبطع أعلم مني أنا الشغوف فقط، لكن، يظل الواقع صادما وحقيرا، فأنا أشعر بالحنق كلما تذكرت أن مخرج الفيلم هو عبد الرحمن سيساقو، ذلك المبدع الهائم في حالة من التردي تتمثل في كونه إختار أن يصبح مجرد جزء من نظام فاسد يهين الشعب بدل أن يكون مثقفا عضويا يحارب من أجل كرامة شعبه.


لقطات من فلم تمبكتو

الأحد، 7 سبتمبر 2014

ملاحظات زائر لاسطنبول


هناك مدن تملك شخصية فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالها، وهناك مدن شاحبة تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص الكوكب من بشاعتها، وهنا سأتحدث عن الصنف الأول من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل أيام، تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .

إسطنبول بعيوني
منظر من مضيق البوسفور

لم أزر كل إسطنبول لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها؛ فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين، لكنني استطعت خلال فترة إقامتي أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية، فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق، المسجد ذو المآذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع في ميدان السلطان أحمد، ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة المعمارية المسماة أيا صوفيا، التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور جستنيان.  فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطنطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة على المسيحية، لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور؛ فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، حيث شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية، وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية القديمة-في ظل حالة من العوم والغوص في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبني في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع الاستقلال وميدان تقسيم؛ فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود، فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة. وقد حضرت لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس ما يحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي
من الصعوبة بمكان أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام  والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية، والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة، لكن رغم ذلك تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث، وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي بعد معرفته من أي بلد أتيت، هل أنت مسلم؟، وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة لهم مجرد أنماط، وهي: مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج  وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا وبقية الدول، وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان عن بلده وعندما أجابه، رد عليه قائلاً:" السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين"، وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب بإسطنبول
حالة الشغف بالمدينة والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها؛ فحين تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ، حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي، وحين تتجول بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الاجتماعيين ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة"البنات والسهر" ظنا منه بأنك من مواطني إحدى الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين تجد أن من بين  أولئك  المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.

لكن هناك ما يدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما يشرف عليه عربي؛ فهناك نشاطا تجاريا عربيا ملحوظا في المدينة خاصة من طرف المواطنين السوريين. ويوجد أيضا حضور للقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة لغزة.
اَيا صوفيا تصرخ:الحرية لغزة

الجمعة، 15 أغسطس 2014

النفايات مأزق موريتاني اَخر!

صورة من مكب النفايات الذي يحتج عليه السكان في قرية تيفريت

إن الحديث عن الأوساخ والنفايات في العاصمة نواكشوط ،حديث ذو شجون،فبينهما قصة أسطورية تفرض نفسها على عيون وأنفاس  و كل حواس  سكان المدينة.
واليوم تكتب أحدث سطور تلك القصة،وتتجاوز حروفها  سكان العاصمة  للقرى المجاورة لها،ففي يوم الأربعاء/30/يوليو خرج سكان تجمع تيفريت القروي، الواقع 25 كلم شرق نواكشوط على طريق الأمل،وذلك من أجل الاحتجاج على قيام المجوعة الحضرية بتفريغ  نفايات العاصمة  بالقرب من قريتهم الوادعة،مما تسبب في أضرار بيئية لقريتهم و بالتالي إزعاجهم ،وقد رفع المتظاهرون لافتات تطالب بالتوقف عن رمي القمامة والنفايات بالقرب من قريتهم، مؤكدين إنها تتسبب في أضرار صحية وبيئية ذات انعكاسات سلبية عليهم. وكان جزائهم هو المقع والتنكيل،حيث قامت قوات الدرك  الموريتاني باعتقال 14 شابا من سكان القرية.
قصة القرية والنفايات أعادت الأذهان إلى  قرار الحكومة الموريتانيى الغاء التعاقد مع شركة شركة PIZZORNO الفرنسية وقيام المجموعة الحضرية بعمل الأخيرة،مما نتج عنه بطالة أكثر من ألف مواطن موريتاني كانت الشركة الفرنسية تتعاقد معهم،في مقابل اعتماد المجموعة الحضرية في مشروعها الجديد على العمال بالأجرة اليومية الذين لا حقوق قانونية لهم،وكانت شركة PIZZORNO قد دخلت في تجاذبات سابقة مع الحكومة الموريتانية بعد تعنت الأخيرة في دفع مستحاقات الشركة،وقد بدأت الشركة المذكورة  تسيير النفايات المنزلية الصلبة وما شابهها في مدينة نواكشوط بعد توقيعها اتفاقية مع الحكومة الموريتانية وذلك في شهر مارس من سنة 2007 ولمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد ،وبلغت تكلفة هذا الاتفاق 1.12 مليار أوقية.
بعد فسخ العقد بدأت أزمة الأوساخ في العاصمة نواكشوط تظهر وتطفو أكثر على السطح وتثير استياء المواطنين،ففرق التنظيف التي تعمل لصالح المجموعة الحضرية تفتقر لأبسط الخبرات في تجميع النفايات وتأمينها بشكل صحي لا يضر المواطنين وحتى أن عددهم غير كافي لتغطية نواكشوط،،وقضة قرية تيفريت ليست سوى تجلي من تجليات عدم احترافية عناصر المجموعة الحضرية،حيث يقومون برمي النفايات السامة بشكل عشوائي في مكب في الهواء الطلق قرب القرية من دون اتباع أي من أجراءت السلامة،وكانت  الشركة الفرنسية قد أغلقت معملاً لمعالجة النفايات يقع بقرب القرية كانت تستخدمه للحد من خطورة تجميع كميات كبيرة منها،ومن خلال مشاهداتي البسيطة في العاصمة،لاحظت أن شحانات المجموعة الحضرية مفتوحة وغير مؤمنة و تتساقط منها النفايات على الطرقات في مشهد عبثي يبعث على الغثيان والاشمئزاز ذكرني بطريقة تجمع أطفال العربات للنفايات.ومن أخطر مظاهر التسيب الملاحظ في قضية التعامل مع النفايات هي قصة رمي نفايات مستشفى الانكلوجيا في الشارع  الموازي له و طريقة التعامل البدائي معها من قبل عناصر المجموعة الحضرية وهو مايظهر استهتاراً بأرواح المواطنين.
هنا لا أدافع عن الشركة الفرنسية فهي أيضا لها سلبيات ولم تكن تغطي كل العاصمة-مثلا لم أجدها يوما في الحي الذي أسكن- ولم تقضى على أزمة الأوساخ رغم الفترة التي قضت في الاشراف على العملية،لكنها لا تقارن بارتجالية المجموعة الحضرية واستهتارها بأرواح المواطنين الذين يتعرضون اليوم لاجتاح مقلق للنفايات.

الأحد، 10 أغسطس 2014

موريتانيا:الفقراء في مواجهة العلماء!


الأحياء العشوائية والفقر صفات تلاصق العاصمة الموريتانية نواكشوط،وقصص سكانها هي الأكثر حضوراً في النقاش المجتمعي،وهذا الأمر يلاحظ جليا عند المرور بالقصر الرئاسي،الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى حائط  مبكى لفقراء نواكشوط.
حيث يشهد محيطه إعتصامات شبه دائمة من طرف سكان الأحياء العشوائية المتضررين من عدم تخطيط  وتأهيل أماكن سكنهم أو من نزع الدولة لأراضيهم أو من تحكم النافذين الذي يتسبب في تشريدهم،فقصصهم مع المعاناة كثيرة ومؤثرة،لكن أكثر قصص هؤلاء السكان جدلاً هي قصة سكان منطقة مايحشم في حي قندهار( التسمية تعني بالعربية “لا يستحي”)،حيث يشكوا سكانها من قيام الإدارة بسلبهم أرضا كانوا يستغلونها للزراعة منذ ثلاثين عاما، وقامت بمنحها لرابطة العلماء والأئمة الموريتانيين،ويقول السكان إن الدولة قامت باعطائهم حق استغلال تلك الأرض سنة 1984 ومنذ ذلك الزمن وهم يعيشون في خيرها،وتخلل تلك الفترة صراعات مع متنفذين كانوا يريدون الاستحواذ عليها،كان اَخرها سنة 2007 ،حيث انتصر السكان عبر القضاء الذي أكد أحقية السكان بالأرض.
لكن في الفترة الأخيرة جاء بعض الأئمة والعلماء وقاموا بعمليات نهب وهدم وتدمير في الأرض المذكورة وتم الأمر تحت غطاء الحرس الوطني،وحين إعترض سكان حي “ماتحشم ” على اتلاف أرضهم تم قمعهم بقسوة من طرف الحرس ،مما خلف بيهم إصابات بالغة،ويطالب السكان بالانصاف وعدم السماح للأئمة والعلماء بطردهم من أرضهم،ويعتبرون إن طردهم يعني القضاء على مستقبل 80 أسرة تعيش على خير تلك الأرض.
المختلف في القضية هو أن أحد أطرافها هو رابطة العلماء والأئمة الموريتانيين التي تمثل رجل الدين الموالي للنظام وليست مجرد قصة نافذ يريد زيادة أرباحه وأملاكه على حساب الفقراء،وهو مأزق جديد لرجل الدين في موريتانيا،حيث يظهر في صفة المغتصب المحارب من أجل هضم حقوق الفقراء،بعد أن فقد الكثير من رصيده في عمليات تملقه الشديد للنظام،فهذه الرابطة سبق و أن طالبتالجنرال ولد عبد العزيز بالترشح لمأمورية ثانية وقدم أعضائها وصلات نفاق أزعجت الكثير من النشطاء الموريتانيين على الشبكة، وعلقوا باشمئزاز حولها و هو نفس ماحصل حين أعلن وزير التوجيه الإسلامي الموريتاني ولد النيني عن لقب جديد للجنرال عزيز ،وهو رئيس الإسلام،مما أثار موجة امتعاض كبيرة من الكلمة واللقب،الرجل الذي تتهم وزارته بأنها أكثر الوزارات فساداًَ،رغم كونه عالم دين يقدم المحاضرات حول قيم الإسلام!
تحالف رجال الدين في موريتانيا مع النظام،يفقدهم الاحترام بشكل مستمر بين الأوساط الشعبية وخاصة الشبابية التي ترى أنهم أصبحوا مجرد مبررين لجرائم النظام ونهبه للثروة وإهانته للشعب وذلك مقابل الحصول على بعض فتات موائده الحرام.
المفارقة في القضية أن اسم المنطقة يحمل شحنة امتعاض من قلة الخجل و يبدو أن القدر مصر على جعل سكانها يتصارعون مع فئة في قطيعة تامة مع الخجل!،ويبقى السؤال المطروح،هل خلت نواكشوط من الأراضي حتى لا يجد النظام ما يعطيه لرابطة الأئمة إلا أرضاً يستفيد منها مجموعة من الفقراء؟

الأربعاء، 30 يوليو 2014

موريتانيا:قصة مدينة منكوبة


"هذه التدوينة هي مساهمتي الأولى على منصة مدونات عربية و التي تم اختياري للتدوين عليها،بعد نجاحي في المسابقة التي أطلق فريق ورشة الإعلام (L’Atelier des Medias)  التابع لإذاعة فرنسا الدولية بالتعاون مع  قناة فرانس 24 / FRANCE 24 Arabic و راديو مونت كارلو الدولية"


كما يقال،المصائب لا تأتي فرادى ،وهذا ماحدث في شهر رمضان لهذه السنة،فأينما وليت وجهي متفقداً وضع الإنسان في البقعة المسيطرة على أكبر اهتمامي ،أجد مصيبة وكارثة،تختلف في القوة و البشاعة لكنها تبقى مصيبة،ففي فلسطين ينكل بالشعب من قبل قوات الإحتلال وفي العراق يطارد المواطن المسيحي من طرف عصابة تعشق القتل والكره،وفي بلدي موريتانيا تحولت الأمطار من بشرى خير إلي كارثة تشرد و تجوع السكان و تدمر المنازل،فبسبب الأمطار تحطم السد الرملي في مدينة أمبود  الواقعة بولاية كوركل  جنوب البلاد،لتتسبب السيول في تدمير 750 منزل،واتلاف بعض المحاصيل الزراعية التي كان السكان قد إدخروها من حصاد العام الماضي للاستعانة بها في غذائهم،مما جعلهم عرضة للجوع.خاصة أن سكان المدينة يعتمدون بشكل أساسي على محاصيلهم الزراعية.
ظلت الكارثة محل تجاهل من قبل وسائل الإعلام المحلية والنظام الموريتاني و حتى منظمات المجتمع المدني ،إلى أن قام النشطاء والمدونون على الشبكة بحملات على مواقع التواصل الإجتماعي من أجل إنقاد المدينة وسكانها. حيث بدأت الصحافة تتحدث عنها على استحياء وقامت بعض المنظمات بالاعلان عن مبادرات للإغاثة و تقديم الاسعافات الأولية لها،مثل الأدوية والخيام والملابس والغذاء و قام النظام بتقديم بعض المساعدات لصالح مائة شخص من المتضررين،لكن المواطنين قالوا إنها لا تنفعهم في الكارثة وأنها مجرد ذر للرماد في العيون وأن توزيعها خضع للحسابات السياسية ،حيث حرم منها من يعرف بمعارضته للنظام.
بدوره،أصدر  المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة  الذي يضم أحزاب المعارضة الموريتانية وبعض النقابات ومنظمات المجتمع المدني بيانا  تضامنيا مع سكان مدينة أمبود ،طالب  فيه النظام بالتدخل لإنقاد سكان المدينة و حمله مسؤولية ما سيحل بهم.
كارثة مدينة أمبود أعمق من مجرد مساعدات إسعافية اَنية،فنسبة المنازل المبنية بالطين في المدينة تصل إلى ٩٠% وسدها مبني بالرمل (للتوضيح: إنهارت أجزاء من السد عام العام 2010 وقد رمم بعدها ) وأي هطول كبير للأمطار سيأتي على ماتبقى منها، فهي تعكس حالة الإهمال الحاصل من طرف الدولة الموريتانية لمواطنيها.
مدينة أمبود تحتاج لأن يبنى لها سد على مقاييس عصرية لا يتدمر بسبب هطول بعض مليمترات  من الأمطار و أن يُساعد سكانها في إعادة إعمار منازلهم بمواد بناء عصرية غير بدائية كما هو حال منازل المدينة الاَن ،ومن الضروري أن تضع الدولة لهم خطط تنموية تساعدهم في تطوير زراعتهم و تدعم وضعهم الإقتصادي الهش و تنتشلهم من حالة الفقر المدقع .
طبعا هذا بالإضافة إلى عملية الإسعاف السريع،لأن المستنقعات قد تجلب للمدينة كثير الأمراض والأوبئة.
لكن حسب الواقع لا  أرى أن الأمر سيتغير فيه شيء و أن النظام الموريتاني سيقوم باللازم،خاصة أن وزير الإعلام الموريتاني قد قلل من شأن الكارثة وقال إن ماحدث تم تهويله فقط!.
وحين ننظر إلى واقع بقية المدن الموريتانية و تعامل النظام مع الكوارث التي تقع فيها ،نجد أن  الأمر غير مشجع، العاصمة نواكشوط مثلا تتحول إلى مستنقع كبير عند هطول الأمطار و ذلك بسبب غياب الصرف الصحي ولم يقم النظام لحد الاَن بأي خطوات حقيقية و مؤثرة لإنشاء صرف صحي لها،ففي العام الماضي تضرر سكانها بشكل كبير من مياه الأمطار والبرك الناتجة عنها والمشهد قد يتكرر هذا العام عند هطول الأمطار في فصلها،لأنه باختصار لم يتغير أي شيء ومازالت العاصمة   تنتابها حالة من الكره الشديد تجاه المطر!.

الخميس، 24 يوليو 2014

رمضان بطعم المعاناة

تنويه:المقال التالي كتبته لموقع cnn بالعربي،وهو منشورعلى الموقع بتاريخ 06 يوليو/تموز 2014،,وهذا رابطه 
http://arabic.cnn.com/entertainment/2014/07/03/ramadan-opinion-electricity

جاء رمضان بكل ما يحمله من قيم التسامح والإيثار والتضحية والتضامن، فرمضان بالنسبة للمسلمين فرصة رائعة واستثنائية لتجديد النفس وتطهير الروح من درن الشرور، والموريتانيون كغيرهم من الشعوب المسلمة يعطونه ما يستحق من الاهتمام والتبجيل، وهو ما يلاحظ بشكل جلي على نقاشاتهم على شبكات التواصل الإجتماعي، تلك النقاشات المحتفية بالشهر وبكل تقاليده وطقوسه. لكن حالة الإحتفاء ينغصها، انقاطاع الكهرباء بشكل مقلق رغم إصرار المسئولين الموريتانيين في كل فرصة أن البلاد جاهزة لتصدير الكهرباء إلى دول الجوار، وموجة حر وعطش تعم أغلب الولايات الموريتانية وكذلك إرتفاع لأسعار المواد الغدائية، وهو ما يحضر بقوة في محادثات المدونين والنشطاء الموريتانين على الشبكة، فهم تعبير عن حالة الامتعاض الشعبي والمعاناة والألم.

فنقاشاتهم تؤكد أن رمضان في موريتانيا شهر بطعم المعاناة، فلكم أن تتصورا أن يصوم مواطن والحرارة تتجاوز ٤٦ درجة في ظل إنقطاع الكهرباء ، لكن تلك ليست أكبر معاناة بل هي مجرد جزء ضئيل من مسلسل تراجيدي محزن، فالذين تنقذهم الكهرباء من شدة الحر هم قلة في موريتانيا، التي يعاني أكثر من ٧٠% من سكان مدنها الداخلية من الفقر المدقع وما يقارب من ٤٦% من سكان عاصمتها يعيشون نفس الحال، مما يعني أن الحديث عن الكهرباء وانقطاعها بالنسبة لهؤلاء مجرد ترف فكري وتجديف وعيش في عالم من الأحلام لا وقت لديهم له، فعلاقتهم مع أجهزة التبريد والتكييف وحتى الكهرباء نفسها ليست على أحسن ما يرام.

لكن رغم حالة التحالف الغير إرادي بين الطبيعة والنظام، يصر المواطن الموريتاني الفقير على تأدية واجبه الديني والمشاركة في حالة الفرح بالشهر، كل هذا يأتي في ظل غياب برامج طموحة لمساعدة الفقراء على الصمود في وجه التحديات ومواصلة صومهم رغم أن هناك محاولات جيدة من قبل بعض الهيئات الخيرة، لكنه غير كاف بل ضئيل جداً مقارنة مع إتساع شريحة الفقراء في موريتانيا، مما يحتم العمل أكثر من أجل مساعدة الفقراء وترسيخ العمل الخيري وقيمه، وطبعا مواصلة الضغط حتى يتوقف سيل الفساد الدي ينخر موريتانيا، وهو المتسبب الأول في انتشار الفقر في الدولة (موريتانيا تحتل المرتبة ١٤٦ من بين ١٧٨على مؤشر الشفافية الدولية ) الغنية بالموارد الطبيعية القليلة السكان (٣ ملايين نسمة)، فالمقارنة بين موارد الدولة وحالة الشعب تشعر أي صاحب ضمير مستيقظ بالغثيان والحنق على النظام الحاكم (موريتانيا من أفقر ٢٥ دولة على المستوى العالمي.)

رمضان في موريتانيا لديه جانب اَخر يعكس مدى تسامح الشعب وأريحيته،فتشاهد المواطن في حالة إفطار علني ويأكل في الشارع من دون أي منغص ولا مكدر فطبيعة الموريتاني تأخد العذر لمن يفطر ولاتجد حراجا في ذلك ، ولا تتبنى فكرة تفتيش النوايا والأغراض، ولا توجد أي قوانين تجرم الإفطار العلني عكس ماهو موجود في بعض دول الجوار مثل، المغرب وتونس والجزائر وهي حالة أتمنى أن تستمر، وأن لا تجد محاولات الصوت المتطرف الصاعد الاَن أي صداً بين جموع الشعب.

رمضان يكشف بعض التناقضات و حالة النفاق في المجتمع، فتجد أحدهم أطلق اللحية وعاش في دور الرجل المتدين، وما أن ينتهي رمضان حتى ترجع العلاقة الحميمية مع موس الحلاقة ، هذه الحالة لم يسلم منها الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي أطلق العنان في رمضان الماضي للحيته وبدأ البعض يتساءل إن كان سيتركها بعد رمضان؟ أم أنها مجرد "لحية رمضان الكرنفالية"، وما إن انتهى رمضان حتى أجابهم فقد جدد العهد برغوة الحلاقة وأزال لحيته.