تصيبني رتابة
المشهد السياسي المحلى وضحالة الطرح صاحب الصوت الأعلى فيه بحالة من عدم
اللامبالاة المؤقتة،فلا أكترث كثيرًا به ولا بشخوصه ولا بأحداثه المجترة، فلا جديد فيه يستحق التفاعل أو
المشاركة بشغف فلم يعد للمصطلحات ولا المواقف أي قيمة لكثرة لعكها من قبل
الانتهازيين الذين يتبارون في تشويه أي جميل، فقد دأبوا على تمييع الأشياء، فلم يعد
للحوار ولا للمواثيق قيمة لكثرة نقضها، وهناك نجاحات في مسيرة المحاولات الحثيثة لتحويل مفهوم النضال إلى مجرد وسيلة قذرة لتحقيق مصلحة ذاتية جدًا
على حساب طموحات وحقوق الشعب والكادحين.لكن، حالة اللامبالاة التي ذكرت سالفا وأكدت أنها
مؤقتة تغادرني حين أجد مشهدًا يستحق التفاعل بل الانغماس فيه وخدمته، ومن اَخر
النسمات الجميلة التي دخلت مسام عقلي، قضية إضراب عمال سنيم في مدينة الزويرات
شمال موريتانيا.
لنتحدث إذن عن
تلك الملحمة الحقيقية
بدأت ملحمة عمال
الزويرات في 30 جانفي 2015، وذلك بعد أن سئموا من وعود مدير الشركة الوطنية للصناعة
والمناجم(سنيم) وبعد أن اتضح لهم أنه قرر أن ينكث بكل تعهدات الشركة، وكانت الشركة
قد وقعت مع العمال تعهدًا يقضي بزيادة رواتبهم ومن المفترض حسب الاتفاق أن يبدأ التنفيذ
في أكتوبر 2014 لكن الشركة لم تفى به وهو ما جعل العمال يدخلون في إضراب مفتوح و
ينزعون نحو التصعيد، وقد نجح العمال في خلق حالة من التضامن مع قضيتهم رغم التعامي الإعلامي الواضح الفاضح ومحاولات
الشركة أن تعطى صورة مغلوطة عن الإضراب عبر شراء وسائل الإعلام المحلية.
نجح مناديب
العمال أصحاب فكرة الإضراب في إقناع أغلب رفاقهم بضرورة الانخراط في الإضراب وقد
وصل عدد المشاركين فيه إلى 3886 عمالاً من عمال الشركة من أصل 4500 عاملاً(الرقم هو عدد عمال الشركة في مدينة الزويرات وليس العدد الإجمالي لعمالها)،تم ذلك رغم كل الضغوط السياسية والقبلية، وكذلك رغم قيام الشركة
بتهديد كل العمال العقوديين في الشركة بالفصل حال استمرارهم في الإضراب،إلا أن ذلك
لم يزد العمال سوى إصرارًا على مواصلة الضغط،وقد أدت تلك الخطوة إلى مسيرة تضامن حاشدة
من قبل العمال والمجتمع المحلى وماتزال
إلى اليوم مدينة الزويرت مكانا للمسيرات الحاشدة المتضامنة مع العمال، في
المقابل، قام عمال شركة سنيم في مدينة نواذيبو بوضع إخطار يقضي بتوقيفين عن العمل يومي
25 و26 فبراير، والدخول في إضراب مفتوح حال عدم الاستجابة لمطالبهم،ومن بين
مطالبهم:
ـ زيادة الأجور وفقا
لاتفاقية الزويرات في 3 مايو 2014.
ـ إدخال علاوات الإنتاج
منذ بداية السنة.
ـ دفع راتب شهرين
للمتقاعدين تعويضا عن تأخر الزيادة المقررة في مايو 2014.
يحدث هذا في ظل
تجاهل من قبل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم فلم تكلف خاطرها في دخول حوار مع
العمال أو تطيب خواطرهم ولو بشطر وعد جديد وتصر على أنهم مجرد عمال متسيسون وأن عمل الشركة لم يتأثر، وتفضل
رشوة بعض المواقع الألكترونية للتعتيم على الإضراب وتشويه المضربين، والقول أن
الإضراب غير قانوني،لأن الموقعين عليه ستة مناديب من أصل أربعة عشر ورغم أن عدد
المناديب الموقعين حاليا على الإضراب هم ثمانية ويرفضه ستة فقط،وفي حديث جرى بيني
وبين محمد ولد أحمد زروق أحد العمال المضربين، قال لي أن العمال يريدون فقط أن يتم
الالتفات لمطالبهم وما يغضبهم هو حالة التجاهل المتعمدة من قبل الشركة.
المفارقة في
القضية هي أن شركة سنيم قدمت قبل فترة ليست بالطويلة قرضا بقيمة بلغ 15 مليار أوقية
لشركة النجاح الخاصة التي تشرف على بناء مطار نواكشوط الدولى وذلك بعد تعثر الأخيرة
في التزاماتها نحو الدولة الموريتانية، وهو ما يجعلني أطرح التساؤل التالي أيهما
أولى بالرحمة شركة رأسمالية تفشل في تعهداتها للدولة أم عمال بسطاء يكدحون من أجل
لقمة عيشهم؟
خلاصة
قضية عمال
سنيم ومثلها من النضالات العمالية هي
الواقع الملموس وطريق التغيير والتعبير
الصادق عن واقع الشعب أما بقية الأحاديث التي تجري في الصالونات والمكاتب المكيفة فلا
تعدو كونها جلسات بين مترفين لتقاسم الأدوار في النصب على الشعب، فدعم نضالات
العمال أولى، فالعمال هم أكثر فئات طبقة الكادحين بل الشعب قدرة على لعب دور مؤثر في
عملية التحرر من الظلم والإقطاع والفساد وتحكم العصابات في شؤون الدول، لذلك نضالهم
صادق وحقيقي فهم مرتبطون بعقد أزلى مع عملية الانتاج التي تقوم عليها الدول واقتصادياتها
وهم أصدق تعبير عن واقع الأسرة واحتياجاتها، ولا ينتفضون إلا حين يفيض بهم الكيل وحين
ينتفضون فيعني ذلك أن الوضع لم يعد يطاق وأن ساعة التغيير قد اقتربت، المجد للعمال.
كانت الصورة المطبوعة
في مخيلتي حول الفلبين تتلخص في كونها دولة اَسوية استوائية تملك شواطئ جميلة،دولة
تعاني الفقر ومخلفات سنوات عديدة من الدكتاتورية والفساد،لذلك لم أفكر في أي لحظة في
زيارتها، فالأماكن الجميلة في العالم كثيرة وأقرب من الفلبين،لكن،بدأت تلك النظرة تتغير
وذلك مع قراءتي لرواية( ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي وما حوته من سرد
جميل لحياة الناس وللتاريخ وللفن أيضا،فقد
غمرتني تفاصيل الراوية وأحداثها بحالة جميلة من الشغف بتلك البلاد وجعلتني أتوق لعيش
لحظات فيها.
جعلتني الرواية أتعلق بالتعرف على بعض الأغاني والقصص التاريخية والقادة مثل “ريزال” والقائد “لابو_ لابو”، وبالطبع التعرف على البامبو وساقه وخوسيه ميندوزا ووالدته وبنت خالته وخالته وجده(أظنني قابلت الأخير).
لمحة تاريخية
سريعة
للفلبين تاريخ
عريق يجعلها من البلدان المتفردة في منقطتها،فقد تأثرت بعدة ثقافات وحضارات،مثل الاسلامية والمسيحية الاسبانية
والأمريكية واليابانية،فالفلبين مكان لتلاقح عدة أفكار وأجناس،فقد وجد الإسلام و المسلمين
حسب بعض الروايات طريقهم إلى الفلبين في 883م،وذلك عن طريق بعض الدعاة وانتشر فيما
بعد عن طريق التجار،وكانت لرحلة الرحالة البرتغالي ماجلان(1519 و 1521)بالغ التأثير
في تاريخ الفلبين،فقد قام الملك الإسباني شارل
الخامس، بالطلب من ماجلان بالبحث عن طريق تجاري آخر إلى آسيا عبر الغرب.لتبدأ بعد ذلك رحلة
الاستعمار الإسباني للفلبين والذي دام أكثر من 300 سنة رغم مقتل الرحالة ماجلان أثناء رحلته في مدينة ماكتان على يد الزعيم
لابو لابو،وقد ترسخت في تلك الفترة الكاتلوكية بالدولة لتصبح الفلبين وتيمور الشرقية
استثناء في المنطقة،نعم الشعب في الفلبين بالاستقلال عن إسبانيا في سنة 1898وذلك بعد ثورة
ضد الاحتلال الإسباني وأعلن عن الجمهورية
الفلبينية،لكن ذلك كان لفترة وجيزة،فقد رجع الشعب تحت نير استعمار جديد،وسقطت
الفلبين في يد أمريكا في خضم ما يعرف بالحرب الأمريكية الاسبانية، لتستقل عام 1946،ذلك
الاستعمار الذي أسس لانتشار اللغة الانجليزية في الفلبين.
نواكشوط -سيبو:
انطلقت نحو مدينة سيبو الفلبينية فجر التاسع عشر من يناير وذلك تلبية لدعوة موقع الأصوات العالمية،لحضور قمة الأصوات العالمية لإعلام المواطن للعام 2015،المتزامنة مع مرور عشر سنوات لتأسيس تلك المنصة الرائدة،حيث خضت غمار رحلة مضنية،تزيد على عشرين ساعة من التحليق في الجو،فقد كان علي أن أقضى ثلاثة ساعات بين مدينة نواكشوط والدار البيضاء وتسع ساعات بين دبي والدار البيضاء وثمان ساعات بين مانيلا ومدينة دبي وأكثر من ساعة بين مدينة مانيلا ووجهتي الأخيرة مدينة سيبو ملكة الجنوب الفلبيني. وصلت لمطار مدينة سيبو على أنغام الموسيقي المحلية،فقد كانت إحدى الفرق المحلية تنتظر المشاركين في القمة لتقاسمهم جمال الموسيقي المحلية،فرحا وطربا بقدومهم لمدينتهم الحاضنة،وهو أمر بعث في مزيد من الشغف لخوض التجربة الفلبينية.وكان علي خوض تجربة قطع جسر مكتان لأصل للفندق فالمطار يقع في جزيرة أخرى غير سيبو.
جسر مكتان المعلق
وصلت للفندق في الساعة التاسعة،من يوم 20 يناير،وكان السرير يناديني بكل ود رغم تفكيري في الانطلاق في المدينة رغم التعب، إلا أن السرير انتصر في الأخير،فقد كان أكثر إقناعا ففي الصباح الموالي تبدأ ورش وجلسات قمة الأصوات العالمية. نشاطات من قمة الأصوات العالمية بدأت في 21 من يناير جلسات وورش قمة الأصوات العالمية المغلقة على مجتمع الأصوت العالمية والتي تمتد لثلاثة أيام،اختصرت تلك الجلسات قصص العالم فقد كان المشاركين فيها يعبرون عن فيسفسائية الأصوات العالمية،فقد مثل التواجد خريطة العالم،من قرغيزستان وتركمانستنا حتى مدغشقر وميانمار والمكسيس ولبنان وطبعا موريتانيا وفرنسا،وكانت فرصة للتعرف على قصص المساهمين في الأصوات العالمين ومشاريع ذلك المجتمع الثري.
حضرت عدة
ورش في الأيام الثلاثة الأولى، مثل ورشة "كيفية الكتابة في البيئات المعرضة للخطر".والتي
كانت تديرها محررة الشرق الأوسط في الأصوات العالمية،وقد كانت فرصة بالنسبة لي
للتعرف على التابوهات الموجودة بعض البلدان البعيدة،ففي بنجلاديش مثلا:عرض
الحياة الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي ومقاسمة صورة شرب البيرة مثلا قد يتسبب
في الضرر، وفي كلومبيا تعد الكتابة حول اتصالات الحكومة مع رجال الأعمال المخدرات أهم مصادر المشاكل وفي بلدان وسط اَسيا ليس أمامك سوى الحديث بايجابية عن
جوانب الحياة والغذاء والثقافة فغير ذلك تابوهات خطيرة.وقد خرجت الورشة بمجموعة من
المقترحات لحماية المدونين في البيئات الخطيرة،مثل:
استخدام الحيل الذكية،مثل:
-الأسماء المستعارة، والتشفير، إخفاء الهوية،،استخدام الاستعارات والرموز والسخرية والفكاهة،عدم استخدام الصور الحقيقية.
-استخدام تطبيقات آمنة وموثوقة على الهواتف
الذكية و استخدام المتصفحات الآمنة وأدوات الحماية مثل TOR، HTTPS
-الحذر من الحديث عن نشاطك للغرباء.
-التأكد من عدم ترك بصماتك
-ممارسة درجة معينة من الرقابة الذاتية
-استخدام الفنون
للرد على الواقع والقضايا الجذرية
وتضمنت
المقترحات تكتيكات أخرى، مثل:
-غسيل المعلومات وإرسالها عن طرق مختلفة غير
معلنة ومن خلال اَخرين وتسريبها لوسائل الإعلام
-أهم طرق حماية النفس هي كتابة الأشياء الحقيقية
فقط.
خرجت الورشة كذلك بمقترحات للدفاع عن المدونين:
-خلق حملات مكثفة
ومستمرة على وسائل الإعلام من أجل رفع مستوى الوعي وايصال الصوت للمجتمع الدولى من
أجل الضغط على الحكومات.
- الاتصال بالسياسيين الذين لديهم مواقف داعمة
لحرية التعبير،مواصلة العمل من أجل فرض أن تظل القضية محط اهتمام الصحافة ومدرجة ضمن
أجندات الصحف.
-الاتصال بمنظمات
حقوق الانسان والمحامين،وتكثيف النشاط المتضامن حتى تأخذ القضايا الزخم المطلوب ولفت
انتباه المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية.
-إطلاق الحملات
لسن قوانين تكفل حرية التعبير والتوقف عن الرقابة أو تغيير القوانين التي تقمع ذلك
الحق، تعزيز دور المجتمع المدني ورقابة وسائل الإعلام.
ومن بين الأمور اللطيفة التي حضرت لها،عرض حول
اللغة المحلية في الفلبين،ومن بين الأمور القليلة التي علقت في ذهني،هي أن سلامات
هي شكراً.
شاركت كذلك في ورشة حول الأمان الرقمى مع المدرب سمير نصار،وقد تمحورت حول برمجية bidgin،وهي برمجية حرة مفتوحة المصدر تسمح للمستخدممن التراسل بشكل مشفر واَمن.
بعد انتهاء الأيام المغلقة من قمة الأصوات العالمية،بدأت في مبنى برلمان مدينة سيبو بالفلبين أنشطة المؤتمر المفتوح الذي حضره العديد من الشخصيات الناشطة في عالم الأنترنت،وقد تميز بوجود معرض لمنتجات وخدمات جوجل،وقد بدأت أنشطة المؤتمر بقيام المساهمين في دفاع الأصوات العالمية، بالإعلان عن بيان تضامني مع النشطاء والمدونين المتعقلين في العالم.
شهدت القمة المفتوحة مجموعة من حلقات النقاش كان بعضها متزامنا وقد تمحورت حول حقوق الانسان على الأنترنت،وطبيعة وكيفية الاحتجاجات التي حدثت في العالم خلال السنة المنصرمة، والحركات المدنية على الإنترنت حول العالم وقدمت خلالها مشاريع من بلدان عدة،ومن بين المشاريع التي لفتت انتباه الحاضرين مشروع يدعم حقوق الفتيات في قرغيزستان،وهو عبارة عن حملة تساعد النساء الشابات لتتحدث عن الحواجز والاضطهاد التي يواجهنه في حياتهن اليومية.المشروع مدعوم طرف مشروع الأصوات المهددة التابع للأصوات العالمية.وعرضت قصص لفتيات من قرغيزستان تعرضن لشتى أنواع الماَسي والكوارث،وكان العرض مؤثراً جدا. ومن بين الحلقات النقاشية التي حضرت،كانت جلسة بعنوان كيف احتج الناس في 2014،وقد تحدثت فيها أمير الحسيني من البحرين،ماسا من إيران،ليلي نشواتي من سوريا عن الأوضاع في بلدانهن.
وقد حضرت عرضا عن واقع الانترنت في
الفلبين،فقد قدم لنا توني كروز،بعض المعلومات الرائعة عن الأنترنت في بلده،فمثلا،يلج
40 مليون فلبيني إلى الأنترنت من خلال منازلهم،وأكد لنا أن هناك نشاط تدويني مزدهر
في كل محافظات الفلبين من مندناو وسيبو ومانيلا،ويتم استخدام الأنترنت في النشاط
السياسي وأهم نموذج على ذلك هي الحملات لحماية الأصوات،مثل مشروع يسمى Blogwatch لاستخدام الانترنت لتوثيق وحماية
الأصوات وكان ذلك في 2010وتم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الفلبين خارج
النطاق السياسي،مثلا تم التفاعل مع الإعصار عبر شبكات التواصل الاجتماعي،ومن أبرز
تلك الهاشتقات #rescuep،ومن المعلومات اللطيفة التي اكتشفت هي أن
الفلبين العاصمة العالمية للسيلفي،تجدون هنا مجموعة من التقارير أعدها مشاركون في قمة الأصوات العالمية.
سياحة واستكشاف
الجيب،أكثر وسائل النقل انتشارا في مدينة سيبو
رغم ضيق الوقت،كانت لي عدة مصافحات مع مدينة سيبو الدافئة،وكانت أولى خرجاتي بالليل وسط ستر الظلام والهدوء،وكان انطباعي الأولى هو أنها مدينة لطيفة غير مزدحمة،وكانت وجهتي الأولى هي شارع مانغو،حيث تنتشر المطاعم وأماكن التسلية،وأولى ملاحظة بدت لى هي غياب تام للثقافة الشعبية للدولة وسيطرة الثقافة الغربية،فمثلا كل اللافتات مكتوبة بالأحرف اللاتينية(أصلا لغة التاغالو التي هي أصل اللغة الفلبينية تكتب بالأحرف اللاتينة)،ومترجمة أيضا للانجليزية،وكذلك تنوع الأشكال والسحنات في المدينة ولطف الناس،فقد ارتحت للمكان والمدينة،وقد لاحظت تشابها بين حال المدينة والناس وبعض مدن أمريكا اللاتينية(طبعا أنا معلوماتي عن أمريكا اللاتينية مستقات من الإعلام والأدب فقط)،واكتشفت أيضا أن الرجل الإفريقي مقدر جدا في الفلبين(عليكم الاتصال بي بشكل خاص لمعرفة تفاصيل ذلك)،ولاحظت كذلك أنه لا توجد مناطق خاصة بالفقراء وأخرى للأغنياء،فتجد عمارة راقية تزاحم كوخ مهترئ لمواطن فقير في خصام مع قميصه،وهو أمر استنتجت منه أن اليد الرأسمالية لم تبطش كثيراً بالمدينة بعد، فمازال للفقراء مكان ولم يطردوا خارج المدينة. تجولت في بعض الشوارع الفرعية،وكذلك وقفت عند دوار فونتيه اوسمينيا،وقمت في اليوم الموالي بجولة سياحية في المدينة،كانت هذه المرة في وضح النهار، مررت فيها بعد محطات وقد غلب عليها التاريخ المسيحي لمدينة سيبو،وكذلك جربت ركوب الجيب الفلبيني،وهو أكثر وسائل النقل انتشارا في المدينة،لكن إن كان طولك فوق 160 ستجد صعوبة في التأقلم معه،وبعد انتهاء المؤتمر خضت عباب البحر مع مجموعة من الأصدقاء،حيث ذهبنا إلى جزيرة أولونغو – Oolongo الساحرة،وقبل وصولنا لتلك الجزيرة جربنا السباحة في المحيط الهادئ،وفي الجزيرة كان للاسترخاء مكان مهم في البرنامج رغم أن المطر لم يتوقف عن مغازلتنا منذ بداية رحلتنا إلى الجزيرة حتى وصولنا،فظلت زخات المطر تداعبنا طوال الرحلة.في نهاية التدوينة،يسعدني بعث أكثر التحايا صخبا لكل من قاسمني روح المرح وأذاب الحواجز في الحفل الختامي لقمة الأصوات العالمية. سلامات
شبكات التواصل
الاجتماعي تتضامن هذه الأيام بشكل لافت مع المدون السعودي رائف بدوى، فالتغريدات
والمناشير المناصرة له تكتسح تلك المواقع، فقد تم النشاط بكثافة على الأوسام التالية: #الحرية_لرائف_بدوي #جلد_رائف_بدوى #FreeRaif. وكان القضاء السعودي قد حكم على رائف
بدوى من فترة بالسجن لعشر سنوات والجلد 1000 جلدة، وتهمة رائف هي تأسيس شبكة لليبراليين السعوديين وانتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمت تبرئته من الردة عن الإسلام والتي يعاقب عليها في السعودية بالاعدام، وقد بدأت عملية جلد رائف منذ أسبوعين، ليجدد النظام السعودي عهده مع التعبير عن التطرف والوحشية التي تطبعه، فرائف لم يحمل سلاحًا ولم يقتل لفرض فكرة. يبلغ رائف بدوى 31 سنة وهو متزوج من الناشطة انصاف حيدر ولديه ثلاثة أبناء.
قضية رائف بدوى تأخذ الاَن زخماً دوليا وقد عبرت عدة منظمات حقوقية عالمية
عن امتعاضها من عملية الجلد والحكم بشكل عام.
قضية رائف بدوى كشفت الكثير من التناقض لدى بعض النخب السعودية والعربية ولدى
النظام السعودي أيضا، فالنخب الليبرالية السعودية والعربية تقدم نفسها كمحاربة لكل
الأفكار المتطرفة والمتعصبة وتنتقد تنظيم
داعش في الصباح والمساء وأعلنت أنها شارلي وضد أي تعامل عنيف
لمجابهة الأفكار، وهاهي اليوم تسكت على عملية جلد رائف بدوى وسجنه لعشر سنين، بسبب
اَرائه وغير بعيد من ذلك الموقف، نجد النظام السعودي يدخل في حرب ضد إرهاب داعش
ويتهمها بالوحشية، وقد شارك سفير المملكة في مسيرة باريس المنددة بحادثة شارلي، ويقوم في نفس الوقت بقمع الأصوات المخالفة له وبنفس طريقة داعش، وهو
تناقض غير مستغرب من النظام السعودي فقد دأب على قمع مواطنيه وتقديم نفسه كمحارب
للإرهاب في العالم.
قصة رائف بدوى تفرض على كل صاحب ضمير حي يرفض
تعنيف الانسان بسبب اَرائه، أن يعلن التضامن معه، لأنها باختصار جريمة في حق
الانسانية وقيمها، فرائف يدفع اليوم ثمن محاولته الانتفاض على حالة القمع في بلده، الحرية لرائف وللكلمة الحرة في السعودية وكل بلدان العالم
العربي، ويستمر النضال حتى انزياح أسوار القمع.
شاهدت قبل فترة الفيلم المثير للجدل
"120 يوما في سدوم"للمخرج الإيطاليباولو بازوليني، ذلك الفلم المليء بالسادية والاستمتاع بإذلال الانسان عبر سلسلة
انتهاكات للأجساد والروح، المغرق في تقدم تفاصيل أبشع صور الإهانات وطرق التعذيب التي يمكن
أن تتخيل، فقد تسبب ذلك الفيلم في اضراب نفسي لصانعيه، لكن كنت أقول أن هذه مجرد سينما
سوداوية ولا يمكن للفعل البشري أن يصل لتك الدرجة من البشاعة، إلا أنه فيما يبدو
كنت في حالة من الهروب من الواقع لأنه أشد صعوبة من ما يأتي في السينما التي تعجز
كثيراً عن رصده بل تجمله أحياناً، المهم، تذكرت ذلك الفلم ومشاهده القاسية وأنا
أتابع أخبار قيام مجموعة من المتحولين من البشرفي مقاطعة عرفات-العبارة أيضا تأتي في
إطار رحلة الهروب- باغتصاب طفلة تسمى زينب في العاشرة من عمرها ولم يكتفوا بذلك بل
قاموا بحرقها في تجلي قذر للنفس البشرية الشريرة.
ماتت الطفلة زينب وتركتني تحت الصدمة رغم
أني وصلت مؤخراً لقناعة أنه لم يعد شيء يفاجئني في هذه الأيام، تركتنا الطفلة
والعار يلتحف أجسادنا وروحنا،فلم نستطع حمايتها في طريقها إلى محظرة تدريس
القراَن، تركتنا وغادرت عالمنا السادي النتن،فهل سنقوم بالتكفير الضئيل عن خطيئتنا
ونأخذ لها حقها من القتلة ومن فرض في حمايتها عبر فشله الأمني الذريع؟
الطفلة زينب لم تكن الأولى ولن تكون الأخير
في سلسلة الاغتصاب البشعة، فقبل فترة تم اغتصاب الطفلة خدي توري التي ثرنا مطالبين
بمعاقبة المجرمين لكن لم يحدث شيء، وهي طفلة أيضا في السادسة من عمرها، وقصتها بشعة
أيضا وكلما تذكرتها أشعر بالغضب، وتسرح بي الذاكرة إلى حديث جمعني بعنصر من أمن
وزارة" العدل"، حيث قال لي لماذا أنتم غاضبون هذا قضاء وقدر!، كأنه ليس
من حقنا الغضب من الأفعال البشعة وهو أمر يوضح مدى استخفاف الأمن بأرواح المواطنين، حدث
ذلك حين تجمهر الشباب الغاضب المتشنج أمام باب الوزارة مطالبين بالعمل الجاد لمعاقبة
المجرمين وتغيير القوانين المتعلقة بالاغتصاب،فقمت بالرد عليه في لحظة ساخرة وغاضبة، وقلت له : "اعتبر هذا
التجمهر الغاضب قضاء وقدر أيضا".
واليوم، نحن أمام تحدي اَخريحتم ضرورة العمل
والنضال الجاد من أجل وضع حد للمجرمين والمتحولين من البشرومعاقبتهم بما يستحقون، والنضال حتى نغير القوانين حتى تلائم العقوبة الجناية المرتكبة، وكذلك فضح الفشل
الأمني،فأجساد المواطنات ليست هبة للذئاب البشرية.
تحول الكثير من سكان المقاطعة الأولى في نواكشوط"تيارت" وما
يجاورها من مقاطعات إلى مجموعة من"الزومبي"،بوجوه شاحبة خالية من الروح كأنها خارجة للتو من القبور والسبب هو حمى الضنك التي تفشت
في الشهور الثلاثة الأخيرة من دون أي تحرك من وزارة الصحة ولا أي جهة جهات الدولة،فلم
تخرج الوزارة المعنية ببيان يشرح طبيعة المرض ولا طرق الوقاية منه ولا تحاشيه ولم
تقم بحملة توعية حوله ولم تعلن أي خطة استعجاليه اغاثية للمواطنين المراجعين
للمستشفيات والذين وجدوا صعوبات في مراجعتها بسبب قلة الأطباء والأسرة
والأدوية،والأنكى من ذلك أن الأطباء والوزارة لم يتعرفوا على المرض إلا بعد أشهر
وحتى تصاعدت وتيرة الإصابة بهذه الحمى،حيث أرسلوا عينات من دم المرضى إلى العاصمة
السنغالية داكار ووصلت النتيجة بشكل متأخر جداً وكان عدد المصابين يقدر بالآلاف
وبالتأكيد قد ارتفع لأن هذه الحمى مازالت تنتشر ولا تصل لأسرة إلا وأصابت كل
أفرادها. تسبب عدم معرفة الأطباء لطبيعة الحمى في تفاقم وضع عدة حالات بسبب العلاج
الخاطئ من طرفهم، فقد تحول المرضى إلى مجرد فئران تجارب،وقد تسببت هذه الحمى
لحد الاَن في وفاة أربعة مواطنين ثلاثة منهم في مستشفى تيارت وواحدة في المستشفى
الوطني.
أمام هذه الوضعية خرجت يوم الخميس 13 نوفمبر مع بعض رفاقي في حركة 25 فبرايرونشطاء اَخرين للتضامن مع
سكان مقاطعة تيارت والتنديد بسكوت وزارة الصحة وعدم اتخاذها أي تدابير لمواجهة هذه
الحمى التي أعطاها السكان اسم "حمى تيارت"،حيث رفعنا أمام مستشفى تيارت مع بعض سكان
المقاطعة شعارات تطالب بتحسين القطاع الصحي واعلام الناس
بحقيقة هذه الحمى ووضع اجراءات استعجاليه واضحة لمكافحتها والتوقف عن سياسة التعتيم
وبعد انتهاء الوقفة مباشرة،حدث ما كان متوقعا وجاء الأمن بأمر من حاكم المقاطعة واعتقل
مجموعة من النشطاء لبعض الوقت ليطلق سراحهم لاحقا،المهم،انتهت الوقفة، لتبدأ قصة
أخرى وهي تحولي إلى زومبي بعد اصابتي في نفس اليوم بتلك الحمى التي تقول منظمة
الصحة العالمية أن سببها:
حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى. ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.
الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة. وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض. فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح. أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح. أمّا حمى الضنك النزيفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة. ويبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا. وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.
لا تسبب حمى الضنك تلك الأعراض فقط بل تصل
بالانسان إلى مرحلة فقدان الشهية للحياة وتحوله إلى كائن خائر القوى.و قد كشفت حمى الضنك زيف ادعاء النظام بتحسن القطاع الصحي في موريتانيا، فدولة تترك مواطنيها لحمى تنهشهم من دون أي تحرك لا يمكن أن توصف بأن فيها قطاع صحي أصلاً،ودولة لا تملك لحد الاَن مختبرات تمكن الأطباء من تحديد نوعية حمى منتشرة عالميا وتلجأ إلى جارتها السنغال التي هي في النهاية مجرد دولة من دول العالم الثالث لا يمكن إلا أن يقال أن وضع الصحة فيها بائس،وأكدت أيضا تجربة هذه الحمى أن النظام مازال يصر على سياسة التعتيم على فشله ولو كان الثمن هو حياة المواطنين وأن أي شخص يحاول كشف ذلك الفشل سيتعرض للملاحقة والمضايقة.وأكدت لي أيضا هذه الحمى عدم ثقة المواطنين بالنظام فأثناء وقفتنا تحدثت مع بعض المواطنين عن ضرورة الاحتجاج على الوضع فكان رد أغلبهم بأنه لا فائدةمن ذلك فمن يحكم يعلم الوضع ولكنه لا يهتم لحياتنا المهم فقط عنده هو جمع المال.
لكن كما يقال من يهن يسهل الهوان عليه وبسكوتنا سنتحول كلنا إلى مجموعة من"الزومبي"،فمتى ننتفض ونضع حدا لهذا الوضع المهين؟بل متى نقرر الحياة بشكل طبيعي ونخرج من حالة المواطن الزومبي؟
نحلم أحيانا وننساق وراء السراب لتأتي رياح الواقع المثقلة بالهموم وتوقظنا بصفعاتها البائسة وبالأمس كان لي موعد مع تلك الحالة،فقد حاولت تجسيد حلم طالما راودني وهو،دخول فيلم سينمائي موريتاني في دار عرض موريتانية، تحقق الأمر في جانبه الأول، فقد قطعت تذكرة لفيلم تمبكتو الموريتاني ولكن الدار فيها كلام وكلام، المهم، ما إن جلست على المقعد في انتظار العرض حتى جاء وقت تصدير الكهرباء إلى دول الجوار المسكينة وقطعت الكهرباء عن عاصمتنا المسكونة بالايثار وتقديم الاَخرين على نفسها.
انتظرت وعشت حالة من الغضب من الفعل المتخلف والناموس ورجعت لواقعنا الشقي، انتهت المعاناة بعد ساعات وعادت الكهرباء من رحلة التصدير، وبدأ عرض الفيلم، وكان على قدر التوقع بالنسبة لي، فقد سار بي إلى عوالم جميلة من المشاعر الانسانية والصراع بين الحياة والموت، بين الطبيعيين من البشر والمرضى النفسيين، بين الفن والابداع والتخلف، وأكثر ما أعجبني فيه الرمزية السحرية وغياب المباشرة في الطرح ومحاولة مخرجه تقديم صورة بانورمية لحياة الناس في البقعة التي اختار لأحداثه وهي مدينة تمبكتو أثناء سيطرة الجماعات المتطرفة عليها، حيث قام بذلك من دون أن يربكنا بتفاصيل علينا البحث عنها في الأفلام الوثائقية أو الكتب أو التقارير الصحفية، من ضمن المشاهد التي أخذتني، غناء سيدة تتعرض للجلد من قبل الجماعة الإرهابية المتطرفة في الفيلم والطريقة التمثيلية والاخراجية التي ظهر لنا بها المشهد، ومشهد مباراة شباب المدينة بدون كرة قدم بعد أن حرمت فيها تلك اللعبة من قبل شذاذ الاَفاق المسيطرين على المكان، والرقصة التعبيرية التي أداها أحد أفراد الجماعة المتطرفة بجوار المجنونة الأنيقة في الفيلم، ومحاولة المخرج تقديم لمحة انسانية عن المنخرطين في الجماعات الارهابية وأيضا وجود حالة من الفسيفسائية في الفيلم واظهار الجانب الابداعي لثقافات المنطقة المتعددة، عبر رحلات سريعة مع الموسيقي الجملية التي مازلت أتصور كيف لها أن تخرج من مكان وواقع كالذي يظهر في الفيلم؟ّ!. استمتعت أيضا بأداء الممثلين وقدرتهم الفائقة على التقمص والابداع، وهو أمر لم أستغربه، فمن ضمنهم أصحاب إطلالات عالمية مثل الممثل الفرنسي ذو الأصول العربية أبل جفري الذي شارك سابقا في فيلم اَلام المسيح لميل غيبسون والممثل التونسي هشام يعقوبي، وراقت لي إطلالة الممثل الموريتاني سالم دندو، وكان لإشراف التونسي سفيان الفاني على إدارة تصوير الفيلم دور مهم في ألقه، فالمبدع التونسي سبق وأن أشرف على تصوير الفيلم الفرنسي"حياة أديل"للمخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش الفائز بالسعفة الذهبية لكان سنة 2013". باختصار، أعجبني الفيلم كمتلقى وشعرت أنه يتخطى حدود المحلية والمكان ويعالج هما عالميا بأسلوب محكم يستحق الاشادة والولوج إلى المهرجانات الدولية، وهو ماحدث بالفعل، فسبق و دخل في المسابقة الرسمية لمهرجان كان العريق، أما أهل السينما فلهم قطعا نقدهم فهم بالبطع أعلم مني أنا الشغوف فقط، لكن، يظل الواقع صادما وحقيرا، فأنا أشعر بالحنق كلما تذكرت أن مخرج الفيلم هو عبد الرحمن سيساقو، ذلك المبدع الهائم في حالة من التردي تتمثل في كونه إختار أن يصبح مجرد جزء من نظام فاسد يهين الشعب بدل أن يكون مثقفا عضويا يحارب من أجل كرامة شعبه.
هناك مدن تملك شخصية
فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالها،وهناك مدن شاحبة تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص
الكوكب من بشاعتها، وهنا سأتحدث عن الصنف الأول من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل
أيام، تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .
إسطنبول بعيوني
منظر من مضيق البوسفور
لم أزر كل إسطنبول
لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها؛
فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين، لكنني استطعت خلال فترة
إقامتي أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية، فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق، المسجد ذو المآذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع
في ميدان السلطان أحمد، ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة
المعمارية المسماة أيا صوفيا، التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور
جستنيان. فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن
تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطنطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة
على المسيحية، لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية
صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم
العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور؛ فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط
وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، حيث شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية،
وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية
القديمة-في ظل حالة من العوم والغوص في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض
توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبني
في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع
الاستقلال وميدان تقسيم؛ فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار
الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود،
فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة. وقد حضرت
لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس مايحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي
من الصعوبة بمكان
أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية،
والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة، لكن رغم ذلك
تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث، وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي
بعد معرفته من أي بلد أتيت، هل أنت مسلم؟، وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة
لهم مجرد أنماط، وهي: مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا
وبقية الدول، وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان
عن بلده وعندما أجابه، رد عليه قائلاً:" السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر
يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين"، وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان
إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب بإسطنبول
حالة الشغف بالمدينة
والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها؛ فحين
تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده
طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ،
حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي، وحين تتجول
بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الاجتماعيين
ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة"البنات والسهر" ظنا منه بأنك من مواطني إحدى
الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين
تجد أن من بين أولئك المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.
لكن هناك مايدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث
العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما
يشرف عليه عربي؛ فهناك نشاطا تجاريا عربيا ملحوظا في المدينة خاصة من طرف المواطنين
السوريين. ويوجد أيضا حضور للقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة
لغزة.