الأحد، 29 مارس 2015

نقاش مع البروفسور عبد الودود ولد الشيخ

جانب من الحضور

التلوث ينخر عقولنا وأجسادنا، فعوادم السيارات ودخانها والأوساخ بأنواعها وأشكالها تغزو عالمنا الموريتاني الصغير، وخطابات الجنرال المسمومة الباعثة على البلاهة والإحباط تطارد مسامعنا بغية خنقنا، وحين نجد فرصة لتنظيف أنفسنا من درن هذا الواقع الموغل في وحل الرداءة ، يكون تفويتها بمثابة السير نحو أفق الانتحار، لذلك لم أستطع تفويت حضور الدكتور عبد الودود ولد الشيخ عالم الاجتماع الموريتاني للقهوة التونسية بنواكشوط، وسعيه لنقاش بعض الشباب الحالم بغد أفضل، وطبعا لم أستطع ترك الفرصة تفوت من دون تسجيل قبسات من كلامه.

أتانا الرجل في زي وإطلالة توحي بالتواضع الباهر، غير متكلف ولا متشجنج على غير عادة ”نخبتنا” الجميلة المصابة بجنون العظمة (لا أعرف ماذا غرها رغم أن اسهامها في تطوير العقل البشري شبه معدوم، بل معدوم؟!)، وقد تميز خطابه بهضم واضح للذات وخصلة أخرى تندر في شعبنا ”العظيم”، وهي حضور” لا أعلم” و”لا أعرف” و”النسبية” وقلة الوثوقية.

بدأ النقاش بشكل عفوى واستمر على نفس النهج الجميل، سألته عن وجهة نظره في تصاعد التشدد في بلدنا، رغم أن فترة السبعينيات وحتى ما قبلها حسب ما حكي لي كانت تشهد انفتاحا، مثلا، كانت العائلات تذهب للسينما وكان هناك نقد ساخر يقدمه همام لو قام به أحد اليوم لاتهم بأشنع التهم، واليوم نعيش في ظل حالة من التردي فكلما تكلما أحد أو قام بعمل فني قامت الصرخات المتشنجة وبدأت المطالبة بوضع حد له، وقد عزى ذلك إلى هجرة أهل الريف إلى المدينة واكتظاظها، والضغط الذي حدث على المدارس وعدم وجود استراتيجية للتعليم تستوعب الجميع، وضعف مناهج التعليم، وحضر أيضا فيلم تمبكتو للمخرج عبد الرحمن سيساغو في النقاش، حيث قال أن النقاد الغربيين اعتبروا أنه قدم ”الجهاديين” في ثوب إنساني واستغرب الحملة التي شنت عليه، وشمل النقاش عدة جوانب، مثل الجيش والقبيلة والطبقات المهمشة وحراكها.

فقد تحدث عن كتابه القبيلة والدولة في افريقيا، حيث قدم عرضا مختصرا للكتاب الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات ضمن سلسلة أوراق الجزيرة، وتحدث عن نظرة التطوريين بزعامة مورغان للقبيلة بالاضافة لرؤية للماركسيين، والتي تقول أن القبيلة نظام سابق للدولة، وتحدث عن إشارته إلى بن خلدون في الموضوع، و قال أنه تحدث كذلك في كتابه عن المدرسة الوظيفية التي تعتبر القبيلة مناقضة لنظام الدولة، وأكد على أن أهم ما في الكتاب هو أنه ببليوغرافيا لأهم المذاهب والمفكرين الذي اهتموا بالموضوع، وكان أغلبهم أجنبيا، وتحدث كذلك، وقال أنه قدم مفهوم الدولة انطلاقا من نظرية ماكس فيبير، التي تقول أن: “الدولة كيان سياسي يستطيع أن يتحكم في الاستخدام المشروع للعنف في إطار جغرافي معين على مجموعة معينة من الأفراد”.

تحدث البروفسير عبد الودود عن الإمارات التي كانت تسيطير على الفضاء الموريتاني قبل ميلاد الدولة الحديثة، حيث وصفها بالدولة الجنينية، أي نواة للدولة، وتحدث عن وجود سلطات: تنفيذية وقضائية في تلك الإمارات رغم أن ذلك لم يخرج عن نطاق العصبية القبلية. وقال أن البعض ذهب إلى تشبيه تشرذم القبائل بتشرذم التروتسكيين، وأكد على أن هناك من يقول على أن القبائل لا تقوم من دون الحروب والصراعات، فقد وجدت لذلك الغرض، وأكد البروفسور على أنه ينبغي تحطيم البنى المعارضة للدولة حتى نتحدث عن قيام دولة حقيقية.

حوار البروفسور الشيق، وصل أيضا إلى ظاهرة المطالب الفئوية، خاصة فئة الحراطين ولمعلمين واعتبر أنه أمر طبيعي وناتج عن تفكك البنى التقليدية في المجتمع وكذلك لولوج أبناء هذه الطبقات المهمشة إلى التعليم وانتشار الانترنت، وكان البروفسور تحدث في بداية كلامه عن الخطاب الذي يصدر من حركة انبعاث الحكة الانعتقاية( إيرا) ووصفه بالطبيعي في معركة استعادة الحقوق والديمغاوجية التي تطبعه مطلوبة وتكتيك معروف حتى ولو تميزت ببعض التهويل والكذب لكنها مطلوبة من أجل الضغط.

الحوار حضره بعض مناهضي الحكم العسكري في موريتانيا وبالتالي حضرت أسئلتهم ومن ضمنها، ماهو الجيش الموريتاني؟، وكان رد البروفسير، هو أن بعض الدراسات تقول أن الجيش هو النواة الصلبة التي تتشكل أساسها الدول وأنه عبارة عن هيئة تعاقدية أو أخوية لها طابع مميز عن بقية الشعب أو ما يشبهها، وأردف قائلا:”تأخذ الجيوش شكلها النهائي وتتبلور بعد خوضها لكثير من الحروب وتقديم الكثير من التضحيات من أجل شعوبها، حتى تجد مكانا في وجدان شعوبها، فتجد تماثيل لقادتها التاريخيين وشوارع بأسمائهم، مثل شارع ديجول وشارع نيلسون، وأن الجيوش ترى أنها وصية على دولها، أما بخصوص وضعنا في موريتانيا فذلك لم يحدث منه شيء وأضاف ساخرًأ:”من يشاهد زي الجيش يلاحظ العبثية وعدم النظام المعروفة عن الجيوش في العالم”، وتحدث عن التكوين وقال:”قد تكون ثقافة الجيوش ترسخت في عقول من تكون في الغرب لكن بخصوص من تكون في المشرق أظن أنهم طبعوا بالتسيس، والجيش تحول إلى منصة للوصول للسلطة، مثلا، البعثيين والناصريين وغيرهم، دخلوا الجيش من أجل الوصول للسلطة عبر الانقلابات” وخلص إلى أنه يعتقد أن حال الجيش لا يختلف عن حال المجتمع المطبوع بالطابع العشائري والقبلي.

وطبعا حضرت الانتخابات، فتحدث البروفسور عنها وقال:”الانتخابات في إفريقيا لم تكن نتاج محلي بل جاءت بإملاء خارجي، خاصة ما يسمى إفريقيا الفرنكو فونية، حيث قام فرانسوا ميتران في خطابه الشهير بمطالبة الدول الدول الإفريقية بالانتقال إلى الديمقراطية حتى تستفيد من الدعم الفرنسي، حدث ذلك كأحد مخرجات سقوط جدار برلين وانتهاء الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، هذا جعل الأنظمة تنتقل إلى محاولة خلق تعددية ولو شكلية، وحسب ملاحظتى، ويقول الدكتور:” ذلك الوضع لم يأتي بشيء مهم، فقد خلقت تلك الحالة عودة قوية للطرح العشائري والقبلي”، ويضيف عبد الودود قائلًا:”بالنسبة لوضعنا فقد قمت بدراسة للتعاون الفرنسي حول الحالة المدنية، زرت فيها مناطق موريتانية عديدة، ومن المفارقة، زرت عائلة وسألتها إن حدث وتوفي منكم أحد هل ستبلغون الحالة المدنية، فكان ردهم، تريد أن نموت وندفع أيضا(هناك رسوم تدفع عن شهادة الوفاة)”، وأضاف:” حسب اعتقادي نحن في شعب لا يموت منه أحد، وذكر قصة في سوباولو، حيث قام العمدة بإصدار تعميم مكتوب فيه(هذه المدينة محرمة فيها الموت)، وهذا يعني أن الحالة المدنية والانتخابات لم يصل لمرحلة لها نتيجة، فتطغى عليه الصبغة العشائرية والقبلية، مثلا تقول لك جماعة قبلية نحن أعطينا كلمة لفلان”.. وخلص إلى أن هناك تشائم لدى الجميع وشبه قناعة بأن الانتخبات في بدلنا لا يمكنها تبديل نظام الحكم، وهذه قناعة لديه هو أيضا.

وتحدث عن مشاركته بيير بونت في دراسة أثبتت وجود انتماء طبقي في السبعينيات في أوساط العمال، فعندما يسأل الواحد منهم الآخر يقول له: ماهي درجتك العملية؟ بدل ماهي عشيرتك؟، لكن المشهد تغير الاَن ويسيطر عليه الطرح القرابي والعشائري وهذه انتكاسة، لكن تساءل في حديثه عن إضراب (سنيم) حول إمكانية عودة تلك الروح القديمة لدى العمال والتي كانت نتيجة لنضالات مشتركة، فذلك هو الطريق نحو أي تغيير جذري.

لم يخلو الحديث من نقاش الهوية، خاصة الأصول والرافد البربري للهوية الموريتانية، فقد بدأ حديثه بتأطير لإشكالية الأصول وقال أن أدلجتها لا تخص موريتانيا فقط، فقد تحدث عن كتاب مورمون وعن الدين الناشئ في القرن التاسع عشر على يد جوزيف سميث، الذي قال: أن البشرية منحدرة كلها من اَدم وحواء وأن من استطاع ايجاد سلسلة لنسب لاَدم بإمكانه أن يقوم بطقوس لسترجع مكانه في الجنة”، وأتباع هذا الدين لديهم نسب البشرية كلها ويقال أن لهم دور كبير في تطوير المعلوماتية، وخلص إلى أن قضية الأنساب مجرد قصة حبكها الناس ولا أساس لها، فتتبع أنساب الأشخاص أمر مستحيل، ورد على سؤال حول قضية الوجود البربري في موريتانيا، وقال:” هنا لم يعد هناك من يقبل أنه بربري، لكن حسب ابن خلدون فان كلمة صنهاجة هي تعريب ل(أزناكة) وليس العكس، لكن هؤلاء الناس لا يقبلون أنهم بربر رغم أن لغتهم هي أكلام أزناكة(كلام أزناكة هو إحدى اللهجات المشكلة للغة الأمازيغية) الذي لا يزال موجودا بشكل ضئيل وهم أكثر سكان هذه المنطقة قبل مجيء قبائل بنى حسان، وقد حدثت عملية انصهار بين تلك القبائل وقبائل بنى حسان لم يعد بالإمكان التفرقة بينهما، وسبق ذلك احتكاك بين قبائل صنهاجة وبربر جنوب المغرب.

انتهى اللقاء بالتقاط الصور وبفتح نقاشات جديدة بين الشباب وقطعا ساهم في تنظيف بعض العقول لكنه ترك غصة في نفوس الشباب لكون أمثال البروفسور لا يجدون التقدير اللازم في وطنهم، فعبد الودود ولد الشيخ يعيش في فرنسا منذ أكثر من عشرين سنة.

الجمعة، 27 مارس 2015

لقاء الجنرال وحجب المعلومات

صورة من التلفزة الموريتانية بعد قطع البث أثناء اللقاء

انتهى جزء جديد من عروض الجنرال الهزلية التافهة، تلك العروض الكاشفة دوما لمدى ارتباك طرحه وضئالة احترامه، ومستوى احتقاره للمواطنين، لم أشاهد جل اللقاء وذلك عن سبق إصرار وتعمد، فأنا لست من المحبين لسماع الكذب، لكن سمعت بالصدفة ومن دون قصد، الصحفي أحمد ولد وديعة يطرح إشكالية مهمة وهي حجب المعلومات عن الصحافة، وسمعت الرد التافه من قبل الجنرال ولد عبد العزيز، الذي قال نحن نحجب عنكم المعلومات عن قصد خوفًا من تحريفها، فقد كان يحاول كعادته التهرب ببلاهة، من يخبر الجنرال التائه أن حق الولوج إلى المعلومة من أبجديات حقوق الانسان بل يعزز بقية حقوقه؟، من يخبره أن للمواطن الحق في الاطلاع على ما يحصل في مؤسسات دولته فما بالك بالصحفي الذي يعتمد عمله على المعلومات وأي حجب يعد تعديا على حقوق الانسان؟
متى تبدأ صحافتنا المستقلة ومجتمعنا المدني النضال من أجل انتزاع ذلك الحق؟ ومتى تتوقف المراحيض الألكترونية  عن حديث حرية التعبير في بلد تحجب فيه المعلومات؟ فالإدارات  والمرافق العمومية  تتلكأ بل ترفض التعاطي مع الصحفيين حين يحاولون استفسارها في أمر يخصها والمواطن أصلا لا مكان له من الإعراب في أجنداتهما، وفي دولتنا لا يوجد قانون يفرض حق الولوج إلى المعلومة رغم أن الكثير من دول العالم أصدرت قوانين تفرض ذلك الحق ومن بينها دول إفريقية تجاورنا، مثل تونس، ونيجيريا، لذلك يعد الحديث عن حرية التعبير ضربا من ضروب الخيال العلمي وتجديف غير مستساغ، فحق الولوج إلى المعلومة هو الضامن الأول لعملية مراقبة المواطن لممثليه في البرلمان والإطلاع على مستوى عمل موظفي الدولة ومدى نجاعة الحكومات في تسيير شؤون بلدانها، وهو أهم ركيزة في الحكم الرشيد لما يتيحه للمواطن من قدرة على مساءلة حكومته عن بينة  ووعي ويمكن الصحفيين والمنخرطين في منظمات المجتمع المدني من كشف مواطن الفساد والممارسات الملتوية في الإدارة، فانفتاح الإدارة يساهم في مكافحة الفساد فالانفتاح والشفافية وتسهيل المعلومات للمواطنين أمور تساعد في تقليل الشائعات التي قد تضر المواطن والإدارة وحجب المعلومات يطلق لها العنان. فحق الولوج إلى المعلومة هو أكسجين الديمقراطية وإكسيرها، وتؤكد المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذا الحق، ومن مظاهر عدم اهتمام نظامنا بحق المواطن في الولوج إلى المعلومة، حالة مواقع الوزارات والمرافق الرسمية على الشبكة، فنجد اَخر تحديث لبعضها  تم قبل سنين وبمعلومات تافهة، بل أن بعضها لم يحدث أصلا وظل مجرد صفحة فارغة من المحتوى وحتى أن تأمينها ضد القرصة باهت كحال حكومتنا، فقد تمت قرصنتها لأكثر من مرة، فحالها منافي لأبجديات حوكمة الأنترنت التي تفرض على الحكومات توفير البيانات الحكومية للجمهور، بشكل سهل ومريح للتصفح.

وبالرجوع للقاء الجنرال نكتشف مدى استفحال ثقافة الحجب وسيطرتها على تفكير الرجل(وهذا أمر طبيعي فهو جنرال لا يعرف سوى الأوامر العسكرية ومكانه الثكنة لا سدة الحكم والسياسة)، فقد جعلته مداخلة الصحفي أحمد ولد الوديعة  في بداية اللقاء يأمر بقطع البث  فورًا كنوع من محاولة التعمية على ما يجرى،  في غياب تام لأي مظهر من مظاهر الشفافية.



السبت، 7 مارس 2015

المرأة الموريتانية على أفضل حال؟


بمناسبة عيد المرأة، أعيد نشر هذا الموضوع الذي كتبت لموقع السفير العربي عن حال المرأة في موريتانيا، ونشر بتاريخ 11/3/2014.

هناك صورة يتم تدوالها بشكل كبير في الإعلام الموريتاني وحتى العربي، وهي أن المرأة الموريتانية من أكثر النساء العربيات حظاً وأحسنهن وضعية في المجتمع. وهناك مؤشرات يستدل بها على ذلك مثل كونها لا تُحرم من السفر لوحدها وليست هناك عمليات اضطهاد ممنهجة تمارس ضدها، وأنها موجودة بشكل جيد نسبيا في المناصب (الحكومة الموريتانية الحالية تضم ست وزيرات)، وهناك نوع من التمييز الإيجابي خاص بالنساء في البرلمان، وكذلك فلا يعتبر طلاق المرأة عار في موريتانيا .
وهذه الأمور موجودة فعلا في موريتانيا (مع بعض التضخيم!)، لكنها لا تمثل كل تفاصيل الصورة. فالمرأة الموريتانية تعاني من موجة إرهاب شديدة تسبب لها الذعر: معدلات الاغتصاب ترتفع بشكل مطرد، وحالات تعنيفها تتزايد، وتعاني كذلك الزواج القسري المبكر والقوانين لا تحميها بالقدر الكافي.
القانون ضعيف في مواجهة المغتصبين

تتصاعد النقاشات حول تقصير القانون الموريتاني في حماية المرأة من شبح الاغتصاب وكل أشكال تعنيفها، بل تتعدى إلى اتهام القانون بالتواطؤ مع المغتصب وجعل المرأة هي المتهم الرئيسي في القضية. وتوجه انتقادات قاسية للمواد المتعلقة بالاغتصاب في القانون الجنائي الموريتاني، ويتهمها النشطاء بالضبابية وعدم الوضوح وحتى بالضعف. وهذه المواد هي المادتين 309 و 210، حيث تعاقب الأولى المغتصب بالأعمال الشاقة الموقتة من دون تحديد الفترة، أو الجلد (موريتانيا لا تطبق الجلد ولا الحدود)، وتغلظ العقوبة في الثانية إن كان الجاني من ذوى الأرحام حيث يتم رجمه .
وتعتبر الكثير من المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا المرأة أن هاتين المادتين تنتصران للمغتصب على حساب الضحية بل وتساهمان في انتشار ظاهرة الاغتصاب، حيث ان المغتصبة تفضل السكوت على التبليغ (90 في المئة من المغتصبات يفضلن السكوت) لأن التبليغ لن يجر لها سوى الفضائح، وعقاب الجاني ضعيف إن تمّ، فهو في أغلب الأحيان لا يعاقب. وتنتقد كذلك المنظمات طريقة تعامل القضاة مع قضايا الاغتصاب، فمثلا أول سؤال يطرح على الضحية: ما هو نوع ثيابك أثناء الاغتصاب، ولماذا خرجتي، وفي أي وقت... ما يضع الضحية في قفص الاتهام. وترى العديد من المنظمات أن القانون الجنائي الموريتاني لا يعترف أصلا بجريمة الاغتصاب ويخلط بين مفهوم الاغتصاب والزنا. وترى أيضا أن الشروط التي يضعها القانون من أجل إثبات حالة الاغتصاب مستحيلة، وهي اعتراف الجاني أو شهادة أربعة شهود. فالقانون الموريتاني لا يلجأ إلى فحص الأحماض النووية (ADN) ولا يعتمده إطلاقاً.
أمام هذه الحالة، بدأت بعض المنظمات في الآونة الأخيرة بالخروج إلى الشارع والاحتجاج أمام قصر العدالة ووزارة العدل والداخلية والقصر الرئاسي في نواكشوط من أجل المطالبة بتغليظ عقوبة الاغتصاب وتوفير الحماية القانونية للمرأة.
زواج القاصرات وضبابية القانون

من بين المشاكل المطروحة كذلك للنقاش زواج القاصرات، حيث تنشط عدة منظمات حقوقية ومبادرات موريتانية ضد هذه الظاهرة، مثل "مبادرة منع زواج القاصرات" و"رابطة النساء معيلات الأسر" و"مبادرة تكلمي". وتنوه هذه المنظمات باستمرار بخطورة الحالة على المجتمع وعلى مستقبل البلاد، وتقول إن زواج القاصر خطر على صحتها ومستقبلها الدراسي، وأنه هو السبب الأساسي في ارتفاع معدلات الطلاق في موريتانيا والتي وصلت إلى 73 في المئة من الزيجات. وتتهم هذه المنظمات القانون بالتحايل على الاتفاقيات الدولية. فرغم أنه حدد سن الزواج بـ 18 عاما إلا انه ترك ثغرة في حيث وضع استثناءا في مدونة الأحوال الشخصية يقول انه يسمح لوكيل القاصر بتزويجها في سن 16 في ظروف خاصة، من دون أن يحدد تفاصيل الظروف تلك، ولا أن يشرح آليات ومعايير هذا الاستثناء. إلا ان موقف الرافضين لزواج القاصرات يسبب الإزعاج للقوى المحافظة في المجتمع الموريتاني، حيث يرون أنه طعْن في السنة النبوية، وفي الشريعة الإسلامية.
بين الواقع والصورة المروجة

المرأة الموريتانية هي جزء من الحالة العامة لموريتانيا، حيث ان كل الأمور فيها شكلية ولا تتعدى الحبر على الورق. فالقانون لا يطبق أساس في البلاد وليس هو وسيلة حل النزاعات، وكذلك الضبابية تكتنف أغلب مواد القانون الجنائي ولا يقتصر ذلك على القوانين المتعلقة بالمرأة، والحكومات الموريتانية المتعاقبة تقوم ببعض الإجراءات الشكلية من أجل تحسين صورتها أمام الدول الغربية، مثل تعيين وزيرات والقيام بتمييز شكلي في البرلمان لمصلحة النساء، لكن الوزرات التى تعطى للنساء غالبا ما تكون عديمة الأهمية والبرلمان الموريتاني كذلك لا يعدو كونه مكان لالتقاط الصور في دولة لا تشهد استقراراً سياسيا، وحيث وسيلة تداول السلطة هي الانقلاب.
لكن في الوقت نفسه، يرى بعض المراقبين أن المرأة الموريتانية مقصرة كثيراً في حق نفسها، فنضالاتها من أجل حقوقها خجولة، الى حد أن النساء المناضلات في مجال حقوق المرأة يجدن أن أكبر العوائق أمامهن هي المرأة نفسها !

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

الزويرات:معركة العمال من أجل الكرامة

من نشاطات العمال الاحتجاجية

تصيبني رتابة المشهد السياسي المحلى وضحالة الطرح صاحب الصوت الأعلى فيه بحالة من عدم اللامبالاة المؤقتة،فلا أكترث كثيرًا به ولا بشخوصه ولا بأحداثه المجترة، فلا جديد فيه يستحق التفاعل أو المشاركة بشغف فلم يعد للمصطلحات ولا المواقف أي قيمة لكثرة لعكها من قبل الانتهازيين الذين يتبارون في تشويه أي جميل، فقد دأبوا على تمييع الأشياء، فلم يعد للحوار ولا للمواثيق قيمة لكثرة نقضها، وهناك نجاحات في مسيرة المحاولات الحثيثة لتحويل مفهوم النضال إلى مجرد وسيلة قذرة لتحقيق مصلحة ذاتية جدًا على حساب طموحات وحقوق الشعب والكادحين.لكن، حالة اللامبالاة التي ذكرت سالفا وأكدت أنها مؤقتة تغادرني حين أجد مشهدًا يستحق التفاعل بل الانغماس فيه وخدمته، ومن اَخر النسمات الجميلة التي دخلت مسام عقلي، قضية إضراب عمال سنيم في مدينة الزويرات شمال موريتانيا.
لنتحدث إذن عن تلك الملحمة الحقيقية

بدأت ملحمة عمال الزويرات في 30 جانفي 2015، وذلك بعد أن سئموا من وعود مدير الشركة الوطنية للصناعة والمناجم(سنيم) وبعد أن اتضح لهم أنه قرر أن ينكث بكل تعهدات الشركة، وكانت الشركة قد وقعت مع العمال تعهدًا يقضي بزيادة رواتبهم ومن المفترض حسب الاتفاق أن يبدأ التنفيذ في أكتوبر 2014 لكن الشركة لم تفى به وهو ما جعل العمال يدخلون في إضراب مفتوح و ينزعون نحو التصعيد، وقد نجح العمال في خلق حالة من التضامن مع قضيتهم  رغم التعامي الإعلامي الواضح الفاضح ومحاولات الشركة أن تعطى صورة مغلوطة عن الإضراب عبر شراء وسائل الإعلام المحلية.
نجح مناديب العمال أصحاب فكرة الإضراب في إقناع أغلب رفاقهم  بضرورة الانخراط في الإضراب وقد وصل عدد المشاركين فيه إلى 3886 عمالاً من عمال الشركة من أصل 4500 عاملاً(الرقم هو عدد عمال الشركة في مدينة الزويرات وليس العدد الإجمالي لعمالها)،تم ذلك رغم كل الضغوط السياسية والقبلية، وكذلك رغم قيام الشركة بتهديد كل العمال العقوديين في الشركة بالفصل حال استمرارهم في الإضراب،إلا أن ذلك لم يزد العمال سوى إصرارًا على مواصلة الضغط،وقد أدت تلك الخطوة إلى مسيرة تضامن حاشدة من قبل العمال والمجتمع المحلى وماتزال  إلى اليوم مدينة الزويرت مكانا للمسيرات الحاشدة المتضامنة مع العمال، في المقابل، قام عمال شركة سنيم في مدينة نواذيبو بوضع إخطار يقضي بتوقيفين عن العمل يومي 25 و26 فبراير، والدخول في إضراب مفتوح حال عدم الاستجابة لمطالبهم،ومن بين مطالبهم:
ـ زيادة الأجور وفقا لاتفاقية الزويرات في 3 مايو 2014.
ـ إدخال علاوات الإنتاج منذ بداية السنة.
ـ دفع راتب شهرين للمتقاعدين تعويضا عن تأخر الزيادة المقررة في مايو 2014.
يحدث هذا في ظل تجاهل من قبل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم فلم تكلف خاطرها في دخول حوار مع العمال أو تطيب خواطرهم ولو بشطر وعد جديد وتصر على  أنهم مجرد عمال متسيسون وأن عمل الشركة لم يتأثر، وتفضل رشوة بعض المواقع الألكترونية للتعتيم على الإضراب وتشويه المضربين، والقول أن الإضراب غير قانوني،لأن الموقعين عليه ستة مناديب من أصل أربعة عشر ورغم أن عدد المناديب الموقعين حاليا على الإضراب هم ثمانية ويرفضه ستة فقط،وفي حديث جرى بيني وبين محمد ولد أحمد زروق أحد العمال المضربين، قال لي أن العمال يريدون فقط أن يتم الالتفات لمطالبهم وما يغضبهم هو حالة التجاهل المتعمدة من قبل الشركة.
المفارقة في القضية هي أن شركة سنيم قدمت قبل فترة ليست بالطويلة قرضا بقيمة بلغ 15 مليار أوقية لشركة النجاح الخاصة التي تشرف على بناء مطار نواكشوط الدولى وذلك بعد تعثر الأخيرة في التزاماتها نحو الدولة الموريتانية، وهو ما يجعلني أطرح التساؤل التالي أيهما أولى بالرحمة شركة رأسمالية تفشل في تعهداتها للدولة أم عمال بسطاء يكدحون من أجل لقمة عيشهم؟

خلاصة

قضية عمال سنيم  ومثلها من النضالات العمالية هي الواقع الملموس  وطريق التغيير والتعبير الصادق عن واقع الشعب أما بقية الأحاديث التي تجري في الصالونات والمكاتب المكيفة فلا تعدو كونها جلسات بين مترفين لتقاسم الأدوار في النصب على الشعب، فدعم نضالات العمال أولى، فالعمال هم أكثر فئات طبقة الكادحين بل الشعب قدرة على لعب دور مؤثر في عملية التحرر من الظلم والإقطاع والفساد وتحكم العصابات في شؤون الدول، لذلك نضالهم صادق وحقيقي فهم مرتبطون بعقد أزلى مع عملية الانتاج التي تقوم عليها الدول واقتصادياتها وهم  أصدق تعبير عن واقع الأسرة واحتياجاتها، ولا ينتفضون إلا حين يفيض بهم الكيل وحين ينتفضون فيعني ذلك أن الوضع لم يعد يطاق وأن ساعة التغيير قد اقتربت، المجد للعمال.

الأحد، 1 فبراير 2015

سيبو:رحلة جد ومرح

صورة لمدينة سيبو التقطتها من نافذة غرفتي

كانت الصورة المطبوعة في مخيلتي حول الفلبين تتلخص في كونها دولة اَسوية استوائية تملك شواطئ جميلة،دولة تعاني الفقر ومخلفات سنوات عديدة من الدكتاتورية والفساد،لذلك لم أفكر في أي لحظة في زيارتها، فالأماكن الجميلة في العالم كثيرة وأقرب من الفلبين،لكن،بدأت تلك النظرة تتغير وذلك مع قراءتي لرواية( ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي وما حوته من سرد جميل لحياة الناس وللتاريخ وللفن أيضا،فقد غمرتني تفاصيل الراوية وأحداثها بحالة جميلة من الشغف بتلك البلاد وجعلتني أتوق لعيش لحظات فيها.
جعلتني الرواية أتعلق بالتعرف على بعض الأغاني والقصص التاريخية والقادة مثل “ريزال” والقائد “لابو_ لابو”، وبالطبع  التعرف على البامبو وساقه وخوسيه ميندوزا ووالدته وبنت خالته وخالته وجده(أظنني قابلت الأخير).
لمحة تاريخية سريعة
للفلبين تاريخ عريق يجعلها من البلدان المتفردة في منقطتها،فقد تأثرت بعدة ثقافات وحضارات،مثل الاسلامية والمسيحية الاسبانية والأمريكية واليابانية،فالفلبين مكان لتلاقح عدة أفكار وأجناس،فقد وجد الإسلام و المسلمين حسب بعض الروايات طريقهم إلى الفلبين في 883م،وذلك عن طريق بعض الدعاة وانتشر فيما بعد عن طريق التجار،وكانت لرحلة الرحالة البرتغالي ماجلان(1519 و 1521)بالغ التأثير في تاريخ الفلبين،فقد قام الملك  الإسباني شارل الخامس، بالطلب من ماجلان بالبحث عن طريق تجاري آخر إلى آسيا عبر الغرب.لتبدأ بعد ذلك رحلة الاستعمار الإسباني للفلبين والذي دام أكثر من 300 سنة رغم مقتل الرحالة ماجلان  أثناء رحلته في مدينة ماكتان على يد الزعيم لابو لابو،وقد ترسخت في تلك الفترة الكاتلوكية بالدولة لتصبح  الفلبين وتيمور الشرقية استثناء في المنطقة،نعم الشعب في الفلبين  بالاستقلال عن إسبانيا في سنة 1898وذلك بعد ثورة ضد الاحتلال الإسباني  وأعلن عن الجمهورية الفلبينية،لكن ذلك كان لفترة وجيزة،فقد رجع الشعب تحت نير استعمار جديد،وسقطت الفلبين في يد أمريكا في خضم ما يعرف بالحرب الأمريكية الاسبانية، لتستقل عام 1946،ذلك الاستعمار الذي أسس لانتشار اللغة الانجليزية في الفلبين. 
نواكشوط -سيبو:
انطلقت نحو مدينة سيبو الفلبينية فجر التاسع عشر من يناير وذلك تلبية لدعوة موقع الأصوات العالمية،لحضور قمة الأصوات العالمية لإعلام المواطن للعام 2015،المتزامنة مع مرور عشر سنوات لتأسيس تلك المنصة الرائدة،حيث خضت غمار رحلة مضنية،تزيد على عشرين ساعة من التحليق في الجو،فقد كان علي أن أقضى ثلاثة ساعات بين مدينة نواكشوط والدار البيضاء وتسع ساعات بين دبي والدار البيضاء وثمان ساعات بين مانيلا ومدينة دبي وأكثر من ساعة بين مدينة مانيلا ووجهتي الأخيرة مدينة سيبو ملكة الجنوب الفلبيني.
وصلت لمطار مدينة سيبو على أنغام الموسيقي المحلية،فقد كانت إحدى الفرق المحلية تنتظر المشاركين في القمة لتقاسمهم جمال الموسيقي المحلية،فرحا وطربا بقدومهم لمدينتهم الحاضنة،وهو أمر بعث في مزيد من الشغف لخوض التجربة الفلبينية.وكان علي خوض تجربة قطع جسر مكتان لأصل للفندق فالمطار يقع في جزيرة أخرى غير سيبو.

جسر مكتان المعلق


وصلت للفندق في الساعة التاسعة،من يوم 20 يناير،وكان السرير يناديني بكل ود رغم تفكيري في الانطلاق في المدينة رغم التعب، إلا أن السرير انتصر في الأخير،فقد كان أكثر إقناعا ففي الصباح الموالي تبدأ ورش وجلسات قمة الأصوات العالمية.
نشاطات من قمة الأصوات العالمية
بدأت في 21 من يناير جلسات وورش قمة الأصوات العالمية المغلقة على مجتمع الأصوت العالمية والتي تمتد لثلاثة أيام،اختصرت تلك الجلسات قصص العالم فقد كان المشاركين فيها يعبرون عن فيسفسائية الأصوات العالمية،فقد مثل التواجد خريطة العالم،من قرغيزستان وتركمانستنا حتى مدغشقر وميانمار والمكسيس ولبنان وطبعا موريتانيا وفرنسا،وكانت فرصة للتعرف على قصص المساهمين في الأصوات العالمين ومشاريع ذلك المجتمع الثري. 

حضرت عدة ورش في الأيام الثلاثة الأولى، مثل ورشة " كيفية الكتابة في البيئات المعرضة للخطر".والتي كانت تديرها محررة الشرق الأوسط في الأصوات العالمية،وقد كانت فرصة بالنسبة لي للتعرف على التابوهات الموجودة بعض البلدان البعيدة،ففي بنجلاديش مثلا:عرض الحياة الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي ومقاسمة صورة شرب البيرة مثلا قد يتسبب في الضرر، وفي كلومبيا تعد الكتابة حول اتصالات الحكومة مع رجال الأعمال المخدرات أهم مصادر المشاكل وفي بلدان وسط اَسيا ليس أمامك سوى الحديث بايجابية عن جوانب الحياة والغذاء والثقافة فغير ذلك تابوهات خطيرة.وقد خرجت الورشة بمجموعة من المقترحات لحماية المدونين في البيئات الخطيرة،مثل:
استخدام  الحيل الذكية،مثل:
-الأسماء المستعارة، والتشفير، إخفاء الهوية،،استخدام الاستعارات والرموز والسخرية والفكاهة،عدم استخدام الصور الحقيقية.
- استخدام تطبيقات آمنة وموثوقة على الهواتف الذكية و استخدام المتصفحات الآمنة وأدوات الحماية مثل TOR، HTTPS
- الحذر من الحديث عن نشاطك للغرباء.
-التأكد من عدم ترك بصماتك
-ممارسة درجة معينة من الرقابة الذاتية
-استخدام الفنون للرد على الواقع والقضايا الجذرية
وتضمنت المقترحات تكتيكات أخرى، مثل:
-غسيل المعلومات وإرسالها عن طرق مختلفة غير معلنة ومن خلال اَخرين وتسريبها لوسائل الإعلام
-أهم طرق حماية النفس هي كتابة الأشياء الحقيقية فقط.
خرجت الورشة كذلك بمقترحات للدفاع عن المدونين:
-خلق حملات مكثفة ومستمرة على وسائل الإعلام من أجل رفع مستوى الوعي وايصال الصوت للمجتمع الدولى من أجل الضغط على الحكومات.
- الاتصال بالسياسيين الذين لديهم مواقف داعمة لحرية التعبير،مواصلة العمل من أجل فرض  أن تظل القضية محط اهتمام الصحافة ومدرجة ضمن أجندات الصحف.
-الاتصال بمنظمات حقوق الانسان والمحامين،وتكثيف النشاط  المتضامن حتى تأخذ القضايا الزخم المطلوب ولفت انتباه المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية.
-إطلاق الحملات لسن قوانين تكفل حرية التعبير والتوقف عن الرقابة أو تغيير القوانين التي تقمع ذلك الحق، تعزيز دور المجتمع المدني ورقابة وسائل الإعلام.
ومن بين الأمور اللطيفة التي حضرت لها،عرض حول اللغة المحلية في الفلبين،ومن بين الأمور القليلة التي علقت في ذهني،هي أن سلامات هي شكراً.
شاركت كذلك في ورشة حول الأمان الرقمى مع المدرب سمير نصار،وقد تمحورت حول برمجية bidgin،وهي برمجية حرة مفتوحة المصدر تسمح للمستخدممن التراسل بشكل مشفر واَمن.
بعد انتهاء الأيام المغلقة من قمة الأصوات العالمية،بدأت في مبنى برلمان مدينة سيبو بالفلبين أنشطة المؤتمر المفتوح الذي حضره العديد من الشخصيات الناشطة في عالم الأنترنت،وقد تميز بوجود معرض لمنتجات وخدمات جوجل،وقد بدأت أنشطة المؤتمر بقيام المساهمين في دفاع الأصوات العالمية، بالإعلان عن بيان تضامني مع النشطاء والمدونين المتعقلين في العالم.

شهدت القمة المفتوحة مجموعة من حلقات النقاش كان بعضها متزامنا وقد تمحورت حول حقوق الانسان على الأنترنت،وطبيعة وكيفية الاحتجاجات التي حدثت في العالم خلال السنة المنصرمة، والحركات المدنية على الإنترنت حول العالم وقدمت خلالها مشاريع من بلدان عدة،ومن بين المشاريع التي لفتت انتباه الحاضرين مشروع يدعم حقوق الفتيات في قرغيزستان،وهو عبارة عن حملة تساعد النساء الشابات لتتحدث عن الحواجز والاضطهاد التي يواجهنه في حياتهن اليومية.المشروع مدعوم طرف مشروع الأصوات المهددة التابع للأصوات العالمية.وعرضت قصص لفتيات من قرغيزستان تعرضن لشتى أنواع الماَسي والكوارث،وكان العرض مؤثراً جدا.
ومن بين الحلقات النقاشية التي حضرت،كانت جلسة بعنوان كيف احتج الناس في 2014،وقد تحدثت  فيها أمير الحسيني من البحرين،ماسا من إيران،ليلي نشواتي من سوريا عن الأوضاع في بلدانهن.

 وقد حضرت عرضا عن واقع الانترنت في الفلبين،فقد قدم لنا توني كروز،بعض المعلومات الرائعة عن الأنترنت في بلده،فمثلا،يلج 40 مليون فلبيني إلى الأنترنت من خلال منازلهم،وأكد لنا أن هناك نشاط تدويني مزدهر في كل محافظات الفلبين من مندناو وسيبو ومانيلا،ويتم استخدام الأنترنت في النشاط السياسي وأهم نموذج على ذلك هي الحملات لحماية الأصوات،مثل مشروع يسمى Blogwatch  لاستخدام الانترنت لتوثيق وحماية الأصوات وكان ذلك في 2010وتم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الفلبين خارج النطاق السياسي،مثلا تم التفاعل مع الإعصار عبر شبكات التواصل الاجتماعي،ومن أبرز تلك الهاشتقات  #rescuep،ومن المعلومات اللطيفة التي اكتشفت هي أن الفلبين العاصمة العالمية للسيلفي،تجدون هنا مجموعة من التقارير أعدها مشاركون في قمة الأصوات العالمية.

سياحة واستكشاف 
الجيب،أكثر وسائل النقل انتشارا في مدينة سيبو


رغم ضيق الوقت،كانت لي عدة مصافحات مع مدينة سيبو الدافئة،وكانت أولى خرجاتي بالليل وسط ستر الظلام والهدوء،وكان انطباعي الأولى هو أنها مدينة لطيفة غير مزدحمة،وكانت وجهتي الأولى هي شارع مانغو،حيث تنتشر المطاعم وأماكن التسلية،وأولى ملاحظة بدت لى هي غياب تام للثقافة الشعبية للدولة وسيطرة الثقافة الغربية،فمثلا كل اللافتات مكتوبة بالأحرف اللاتينية(أصلا لغة التاغالو التي هي أصل اللغة الفلبينية تكتب بالأحرف اللاتينة)،ومترجمة أيضا للانجليزية،وكذلك تنوع الأشكال والسحنات في المدينة ولطف الناس،فقد ارتحت للمكان والمدينة،وقد لاحظت تشابها بين حال المدينة والناس وبعض مدن أمريكا اللاتينية(طبعا أنا معلوماتي عن أمريكا اللاتينية مستقات من الإعلام والأدب فقط)،واكتشفت أيضا أن الرجل الإفريقي مقدر جدا في الفلبين(عليكم الاتصال بي بشكل خاص لمعرفة تفاصيل ذلك)،ولاحظت كذلك أنه لا توجد مناطق خاصة بالفقراء وأخرى للأغنياء،فتجد عمارة راقية تزاحم كوخ مهترئ لمواطن فقير في خصام مع قميصه،وهو أمر استنتجت منه أن اليد الرأسمالية لم تبطش كثيراً  بالمدينة بعد، فمازال للفقراء مكان ولم يطردوا خارج المدينة. تجولت في بعض الشوارع الفرعية،وكذلك وقفت عند دوار فونتيه اوسمينيا،وقمت في اليوم الموالي بجولة سياحية في المدينة،كانت هذه المرة في وضح النهار، مررت فيها بعد محطات وقد غلب عليها التاريخ المسيحي لمدينة سيبو،وكذلك جربت ركوب الجيب الفلبيني،وهو أكثر وسائل النقل انتشارا في المدينة،لكن إن كان طولك فوق 160 ستجد صعوبة في التأقلم معه،وبعد انتهاء المؤتمر خضت عباب البحر مع مجموعة من الأصدقاء،حيث ذهبنا إلى جزيرة أولونغو – Oolongo الساحرة،وقبل وصولنا لتلك الجزيرة جربنا السباحة في المحيط الهادئ،وفي الجزيرة كان للاسترخاء مكان مهم في البرنامج رغم أن المطر لم يتوقف عن مغازلتنا منذ بداية رحلتنا إلى الجزيرة حتى وصولنا،فظلت زخات المطر تداعبنا طوال الرحلة.في نهاية التدوينة،يسعدني بعث أكثر التحايا صخبا لكل من قاسمني روح المرح وأذاب الحواجز في الحفل الختامي لقمة الأصوات العالمية.

سلامات




الأحد، 18 يناير 2015

الحرية لرائف بدوى


شبكات التواصل الاجتماعي تتضامن هذه الأيام بشكل لافت مع المدون السعودي رائف بدوى، فالتغريدات والمناشير المناصرة له تكتسح تلك المواقع، فقد تم النشاط بكثافة على الأوسام التالية:
#‏الحرية_لرائف_بدوي
#جلد_رائف_بدوى
#FreeRaif.
 وكان القضاء السعودي قد حكم على رائف بدوى من فترة بالسجن لعشر سنوات والجلد 1000 جلدة، وتهمة  رائف هي تأسيس شبكة لليبراليين السعوديين وانتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمت تبرئته من الردة عن الإسلام والتي يعاقب عليها في السعودية بالاعدام، وقد بدأت عملية جلد رائف منذ أسبوعين، ليجدد النظام السعودي  عهده مع التعبير عن  التطرف والوحشية التي تطبعه، فرائف لم يحمل سلاحًا  ولم يقتل لفرض فكرة.
 يبلغ رائف بدوى 31 سنة وهو متزوج من الناشطة انصاف حيدر ولديه ثلاثة أبناء.

قضية رائف بدوى تأخذ الاَن زخماً دوليا وقد عبرت عدة منظمات حقوقية عالمية عن امتعاضها من عملية الجلد والحكم بشكل عام.

قضية رائف بدوى كشفت الكثير من التناقض لدى بعض النخب السعودية والعربية ولدى النظام السعودي أيضا، فالنخب الليبرالية السعودية والعربية تقدم نفسها كمحاربة لكل الأفكار المتطرفة  والمتعصبة وتنتقد تنظيم داعش في الصباح والمساء وأعلنت أنها شارلي وضد أي تعامل عنيف لمجابهة الأفكار، وهاهي اليوم تسكت على عملية جلد رائف بدوى وسجنه لعشر سنين، بسبب اَرائه وغير بعيد من ذلك الموقف، نجد النظام السعودي يدخل في حرب ضد إرهاب داعش ويتهمها بالوحشية، وقد شارك سفير المملكة في مسيرة باريس المنددة بحادثة شارلي، ويقوم في نفس الوقت بقمع الأصوات المخالفة له وبنفس طريقة داعش، وهو تناقض غير مستغرب من النظام السعودي فقد دأب على قمع مواطنيه وتقديم نفسه كمحارب للإرهاب في العالم.
قصة رائف بدوى تفرض على كل صاحب ضمير حي يرفض تعنيف الانسان بسبب اَرائه، أن يعلن التضامن معه، لأنها باختصار جريمة في حق الانسانية وقيمها، فرائف يدفع اليوم ثمن محاولته الانتفاض على حالة القمع في بلده، الحرية لرائف وللكلمة الحرة في السعودية وكل بلدان العالم العربي، ويستمر النضال حتى انزياح أسوار القمع.


الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

السادية تحتفل في نواكشوط!


شاهدت قبل فترة الفيلم المثير للجدل "120 يوما في سدوم"للمخرج الإيطالي باولو بازوليني، ذلك الفلم المليء بالسادية والاستمتاع بإذلال الانسان عبر سلسلة انتهاكات للأجساد والروح، المغرق في تقدم تفاصيل أبشع صور الإهانات وطرق التعذيب التي يمكن أن تتخيل، فقد تسبب ذلك الفيلم في اضراب نفسي لصانعيه، لكن كنت أقول أن هذه مجرد سينما سوداوية ولا يمكن للفعل البشري أن يصل لتك الدرجة من البشاعة، إلا أنه فيما يبدو كنت في حالة من الهروب من الواقع لأنه أشد صعوبة من ما يأتي في السينما التي تعجز كثيراً عن رصده بل تجمله أحياناً، المهم، تذكرت ذلك الفلم ومشاهده القاسية وأنا أتابع أخبار قيام مجموعة من المتحولين من البشرفي مقاطعة عرفات-العبارة أيضا تأتي في إطار رحلة الهروب- باغتصاب طفلة تسمى زينب في العاشرة من عمرها ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بحرقها في تجلي قذر للنفس البشرية الشريرة.
ماتت الطفلة زينب وتركتني تحت الصدمة رغم أني وصلت مؤخراً لقناعة أنه لم يعد شيء يفاجئني في هذه الأيام، تركتنا الطفلة والعار يلتحف أجسادنا وروحنا،فلم نستطع حمايتها في طريقها إلى محظرة تدريس القراَن، تركتنا وغادرت عالمنا السادي النتن،فهل سنقوم بالتكفير الضئيل عن خطيئتنا ونأخذ لها حقها من القتلة ومن فرض في حمايتها عبر فشله الأمني الذريع؟
الطفلة زينب لم تكن الأولى ولن تكون الأخير في سلسلة الاغتصاب البشعة، فقبل فترة تم اغتصاب الطفلة خدي توري التي ثرنا مطالبين بمعاقبة المجرمين لكن لم يحدث شيء، وهي طفلة أيضا في السادسة من عمرها، وقصتها بشعة أيضا وكلما تذكرتها أشعر بالغضب، وتسرح بي الذاكرة إلى حديث جمعني بعنصر من أمن وزارة" العدل"، حيث قال لي لماذا أنتم غاضبون هذا قضاء وقدر!، كأنه ليس من حقنا الغضب من الأفعال البشعة وهو أمر يوضح مدى استخفاف الأمن بأرواح المواطنين، حدث ذلك حين تجمهر الشباب الغاضب المتشنج أمام باب الوزارة مطالبين بالعمل الجاد لمعاقبة المجرمين وتغيير القوانين المتعلقة بالاغتصاب،فقمت بالرد عليه في لحظة ساخرة وغاضبة، وقلت له : "اعتبر هذا التجمهر الغاضب قضاء وقدر أيضا".

واليوم، نحن أمام تحدي اَخريحتم ضرورة العمل والنضال الجاد من أجل وضع حد للمجرمين والمتحولين من البشرومعاقبتهم بما يستحقون، والنضال حتى نغير القوانين حتى تلائم العقوبة الجناية المرتكبة، وكذلك فضح الفشل الأمني،فأجساد المواطنات ليست هبة للذئاب البشرية.