صورة مع صديقي المغربي ياسر على كوبري ستانلي |
كنت قد ختمت
تدوينتي الأولى عن مشاركتي في منتدى الإسكندرية،
بالقول أنني سأتحدث في تدوينة أخرى عن المدينة والشعب والاحتقان السياسي
والشباب و الكتابات الحائطية المناهضة للحكم العسكري، وها أنا أفعل.
انطباعات حول المدينة والناس
لقد كان للأغاني
و الأشعار دورا مهما في ترسيخ روح الإسكندرية وجمالها وتفردها في الذائقة الجمالية
العربية، مثل أغاني شط إسكندرية لفيروز وبين شطين ومية لمحمد قنديل و(يا
اسكندرية) التي كتبها أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام.
ورسخت الأفلام
السينمائية والأعمال الأدبية تلك الصورة أيضا، ولم يتغير الأمر بالنسبة لي بعد
قدومى إلى المدينة والتحامى ببعض ملامحها بل زاد الإعجاب فبحرها يشفى العليل
بالفعل ويبعث على العشق، وتنسيق المبانى لا يخلو من قدر من الإبداع.. الفن يشع من كل أركان
المدينة ولعل أكثر الأشياء التي تركت في نفسي أثراً طيبا هي تكريم المبدعين، فقد
حظيت بزيارة مسرح ابن المدينة ومبدعها الأول سيد درويش والذي كان قيد الترميم رغم
حالة الاحتقان والاضطراب التي تعيشها مصر حاليا، كما أسعدنى وجود مسرح يحمل اسم بيرم التونسي.
ومن سوء حظى أنني
لم أجد الوقت الكافي لأغوص في دنيا مكتبة الاسكندرية العملاقة وأهم معالم المدينة
الجذابة، فاكتفيت بنظرات خاطفة من بعيد.
هذا عن المدينة،
أما الشعب فهو قصة أخرى، أكثر روعة وجمالاً، فلمست من خلال احتكاكي بالمواطنين
وخاصة الشباب من سلامة تصوري الذي طالما
سيطر على ذهنى، وهو أن النخب التي تغزوا المشهد المصري و تسيطر عليه وتبث أمراض
العنصرية والعنجهية الوطنية المصرية الزائفة الغبية والنفاق و كل مظاهر التخلف، مجرد
نخب معزولة عن الشعب ولا تمثل سوى أمراضها النفسية، فالشعب في مصر مضياف يحب
الاَخر ويجله وبعيد كل البعد عن العنصرية.. محب للسخرية والضحك رغم الماَسي
والكوارث وضربات الزمن.
مع صديقي على التركي أثناء الاستماع لأصوات اسكندرانية مبدعة |
شعب متسامح بشكل
فطرى ومتعايش بكل تناقضاته، وهذا ما اكتشفته عند سيري على كورنيش الإسكندرية
وزيارتي الليلية لمنطقة القلعة، فعدد العشاق واختلافهم يبعث على الراحة، فالمنقبات
وأصحاب القمصان يتبادلون الورود ونظرات
الحب بجانب من توصف ب”السفور” والشاب حليق اللحية من دون أي ازعاج ولا مكدر للسكينة ولا بهاء اللحظة، إذ
كل عاشق هنا مشغول بعشقه ومحبوبه، وسعدت بصداقات جديدة من شباب الاسكندرية وكل
محافظات مصر، شباب يرفضون الظلم الخنوع
والعنصرية وتفاهة المركزية والتقوقع التي تنخر عقول بعض النخب المصرية المريضة.. كانوا
بمثابة الشموع التي تحترق من أجل ضيوف
المدينة، يضحون بوقتهم وطاقتهم حتى يكون الجميع في حالة من السعادة الطافحة.
الجدران ترفض
العسكر وحكمهم والشباب أيضا!
أثناء تجوالي في المدنية، لاحظت انتشار الكتابات الحائطية المناهضة لحكم العسكر وللسيسي، وكان هاشتاغ #انتخبوا_العرص أكثرها تواجدا، فحتى محكمة الاسكندرية و كوبري ستانلي الرائع لم يسلما منه، وكان لي وقفة مع الهاشتاغ، وأخذ صورة معه أثناء تجوالي على الكوبري وتجربة الترمس الذي يباع عليه، في المقابل لاحظت لافتات عملاقة داعمة للسيسي، تحمل عبارات من قبيل” كمل جميلك “، وبعض المبادرات الداعمة له ذكرتنى بمبادراتنا المتملقة والمنافقة.
حالة الرفض
الموجودة على الجدارن، لها صدى كذلك بين الشباب، فحواراتي مع من قابلت أكدت لي أن
صورة الجنرال المخلص التي يرسمها الإعلام المصري الموجه لا تعدو كونها حالة من
البروباغاندا الرخيصة، فأغلب من تكلمت معهم يرفضون حكم العسكر والحالة الواقعة
والقمع والفاشية الجديدة ولم أجد أي احتفاء بالسيسي ولا العسكر، بل يرى الكثير منهم أن ثورته تمت سرقتها ويشعر بالإحباط ولا
يخلو ذهنه من ذكرياته المشتركة مع أحد رفاقه المسجونين الاَن، ويتنازعهم هاجس
إكمال المشوار أو التعامل مع القضية وكأنها مجرد عرض مسرحي هزلي.
الصورة من الميدان، المصدر مدونة كشكول |
ومن ضمن القصص
التي أثرت في أثناء تواجدي في الاسكندرية هي رؤيتي لميدان شهداء ثورة الخامس
والعشرين يناير في منطقة ميامي وقد تحول إلى مكب للنفايات( أخبرنى صديقي أنه تم
تنظيفه بعد مغادرتى ليصبح موقفاً للسيارات)
وكذلك سماعي لحظر حركة السادس من إبريل، وهو ما يؤكد أن الثورة في مصر
تتعرض يوميا للغدر.
لكنني غادرت
الإسكندرية ومصر و أنا متأكد أن الوضع لا يمكن أن يبقى على ماهو عليه، فالشعب الذي
ضحى مثل تضحيات المصريين لا يستحق هكذا نهاية، والغضب المصري، سيتحول ولو بعد حين
إلى ثورة جديدة تؤسس لغد أفضل، ذلك الغضب الذي لمسته من قصة شيخ توجه إلي ورفاقي في أحد مقاهي الإسكندرية ليعرض
بضاعته علينا، و ليسأل أحدنا إن كان متزوجا، فلما رد عليه بالنفي، قال الرجل أحسن
ففي أيامنا البغيضة هذه التي لا أفق فيها الزواج “وكسة “.