مرت بي لحظات آثرت فيها
الوحدة هربا من زيف الأحداث والشخوص، لم أعد أجد نفسي في تجمعات البشر الزائفة، أنوفهم
المزعجة وعيونهم الوقحة وأفواههم الكاذبة لم تترك لي مجالا للرغبة في الخروج من عزلتي،
وحتى وإن جربت، أشعر بالوحدة في حشودهم، حتى أني مللت من نفسي البشرية.
ضعت دهرا في رحلة بحث عبثية،
كنت أبحث عن شيء لم أستطع فك شفرته، جربت الحياة بكل تمثلاتها، أطلقت العنان لرغباتي
حتى المجنونة منها!.
طالت الرحلة لكن النقص
زاد، والتيه توطن والحيرة صارت نهجي.
كنت كثير الرؤى لكن من
دون مبالاة، لم أحاول فهم أي رؤيا، فلم أهتم. اشتدت حالتي بؤسا، لكن لقاءنا الأول،
كان بداية لشيء لم أفهمه ساعتها.
كان صدفة غريبة تشبه الحلم
الهامس، كان هادئا في مكان مفعم بالحياة، وكان الوقت متأخرا نسبيا ولم أكن تلك الأيام
أخطط للسهر في جماعة كبيرة؛ لكن حضوره بعث في رغبة البقاء. لم يسبق لي الحديث معه رغم
أني سبق ورأيته في أماكن أخرى لكن دون كلام، ولا أعرف هل تفطن لي قبل لقاءنا الأول.
كانت سهرة لطيفة، تحدثت
فيها كثيرا؛ فليلتها اجتاحتني رغبة في الحديث معه لأطول وقت ممكن فقد شعرت أني أحدث
نفسي، كلامه كأنه صوتي الخفي أو شيخ نقي السريرة أحتاجه.
كانت سهرة روحية علاجية
أزالت ضيق صدري ونفسي وخففت أرقي.
مرت الأيام بعدها ليتحول
لأهم شيء في يومي، وكأنه شيخ وأنا مريده أو أني الشيخ وهو مريدي؛ فاليوم الذي أقابله
فيه كأنني ظفرت بمعني الكون وحين يغيب أشعر بالنكوص والغم.
لم أفهم ما الذي حدث وماذا
تعني حالتنا؟ لكني اقتنعت أننا روح واحدة في جسدين، أفكارنا متناسقة كالمجرات؛ هو بالتأكيد
نفحة رمضانية مباركة.
زاد استغرابي، وفي ليلة
رمضانية مقمرة وصافية الجمال. زارني المعلم شمس التبريزي، وقال لي: "جئت لأطفئ
حيرتك، أنت وهو حالة نقاء والتقاء تتكرر كل سبعمائة سنة وأزيد قليلا، هو رفيقك الروحي
كما كان جلال الدين الرومي رفيقي الروحي، أنتما، أنا وهو ولا يمكنني تحديد أيكما أنا
وأيكم جلال؛ فذلك يفسد المعني، أنت وهو تكرار لحكاية جدك وجده".