أحمد ولد جدو
منذ صغري وأنا أحلم أن أقطع تذكرة لفلم
موريتاني في دار عرض موريتانية وأشاهد جملا سينمائية تعبر عن واقعنا المؤلم وتخرج
للعالم جمال طبيعتنا العذري ...جملاً تجابه
تقاليدنا البالية وتفضح ممارستنا المشينة ...جملاً تصدمنا من أجل علاجنا من أمراضنا المجتمعية ...أحلم بأن أرى سينما تحمل فكرا تغيريا ينير
للمواطن البسيط طريقه وتبعث فيه روح التوق إلى الإنعتاق وأخذ الحق مثل ماحدث في مصر مثلا...وأكثر ما يحز
في نفسي هو إضطرار كل من يحلم بان يقدم تجربة سينمائية محترمة إلى الهروب إلى أحد
المنافي الاختيارية .كذلك غياب دور السينما
فاَخر تلك الدور التي كانت موجودة تحولت
إلى عمارة لم يكتمل بنيانها إلى الآن ...تلك الدار التي زرتها اَخر مرة وخرجت
مصابا بالزكام والغثيان وذلك لنتانة رائحة
الممر المؤدي إلى قاعة السينما ورداءة الفيلم الهندي المعروض فيها وسفالة
الجمهور الملتصق بكراسيها...أشعر بالغيرة من الأجيال التي سبقتنا -خاصة قبل أن يحكم العسكر بلادنا المسحورة- حين
كانوا يذهبون لقاعات السينما كعائلات وأصدقاء يشاهدون أفلاماً محترمة - بعضها
موريتاني -في قاعات سينمائية موريتانية محترمة حيث بلغ عدد دور السينما في موريتانيا في تلك الفترة 14...وأتحسردائما على ذلك
الزمن الذي كان فيه الرئيس أحد رواد دور السينما حيث كان هناك مقاعد مخصصة في سينما المنى للرئيس الراحل المختار
ولد داداه وزوجته مريم داداه.
وهذه بعض أسماء تلك الدور التي كانت مصدر
إشعاع حضاري واندثرت في زمن الرداءة (كوميز) بتيارت (لجواد) لكصر (تيارت) تيارت (السلام) الميناء (ميناء الفن) الميناء
(السعادة) السبخة (الأنصار (تفرغ زينه) (المنى) تفرغ زينه (الوازيز) تفرغ زينه (توجنين)
توجنين (بوحديده) بوحديده." تلك الدور التي أظن أن الكثير من الموريتانيين يشعرون نحوها بنوع
من النوستالجيا .
وهنا سأحاول
التفاعل مع تجربة موريتانيا السينمائية وذلك بمناسبة مهرجان
نواكشوط للفيلم القصيروالذي ستبدأ فعاليته مساء اليوم الثلاثاء 23-10-2012.
المهرجان الذي رغم بدائية الأفلام التي قدمت فيه في
السنوات الماضية إلا أنه جعلني أشعر أنه بإمكاني أن أشاهد أفلاما موريتانية مكتملة العناصر في دور سينما
موريتانية ذالك يوم .
خلفية عن سينما موريتانيا ونقاطها المضيئة :
في البداية لا يمكننا القول أنه هناك سينما
موريتانية بل هناك تجارب سينمائية موريتانية تتفاوت من حيث الجودة ولكن يمكن
التأكيد أنه هناك عشاق لهذا الفن الاَسر للألباب.وقد بدأت علاقة الإنسان
الموريتاني مع الصورة في بداية الخمسينات وذلك من خلال بعثات رحالة قامت
بها فرق فرنسية تحمل شاشات سينمائية جابت العديد من البوادي الموريتانية من
أجل إشراك هذا المجتمع البدوي في سحر الصورة الأخاذ وقد أطلق الإنسان الموريتاني على
الشاحنات التي كانت تأتيهم بشاشات السينما"سيارة العفاريت".
وكان أول ظهور لدور
السينما في موريتانيا على يد رجل فرنسي يدعى "غوميز" في نهاية
حقبة الخمسينات .
|
صورة لأب السينما الموريتانية "همام فال" |
وفي عام 1960 ظهر
"همام " ذلك الرجل الذي سحرته السينما وحاول بدوره أن يساهم في إشاعة
هذا الفن في موريتانيا حيث قام بتأسيس بعض دور السينما في نواكشوط فبدأ بشراء
سينما "غوميز". قام أيضا بالمبادرة بإنتاج أعمال سينمائية قد لا
ترتقى لتكون أعمالا احترافية إلا أنها استطاعت أن تقدم لمحة عن موريتانيا في تلك
الفترة وأن تروج لثقافة الصورة وهذه الأفلام هي "ميمونة" و"بدوي في
الحضر و"ترجيت".
وبعد مرحلة التأسيس
ظهر جيل درس في الشمال فنون السينما لكن عدم وجود جو ملائم لصنع سينما موريتانية
في أرض الوطن قرر الاستقرار في المهجر سأسرد قصص بعضهم :
محمد هندو:
|
المخرج الموريتاني محمد هندو |
محمد هندو ذلك الشاب الأسمر الذي غادر موريتانيا إلى فرنسا بطريقة غير شرعية وتقاذفته الأقدار حيث عمل طباخا وحمالا إلى أن وجد فرصة ألحقته بخشبة المسرح الفرنسي كذلك قام بدراسة السينما على نفقته الخاصة ...وقدم تجارب سينمائية رصدت معانات المهاجرين الأفارقة في فرنسا و تركت أفلامه بصمة في السينما العالمية حيث أحدثت ضجة واسعة ليس على المستوى العربي والأفريقي و حسب ، وإنما على مستوى السينما العالمية حيث نال الكثير من الجوائز في المهرجانات العالمية وهذه أشهر أفلامه:
-جولة في المنابع، 1967" -"أيتها الشمس، 1969" . "كل مكان ولا مكان، 1969" "جيراني، 1973"؛
""العرب والزنوج أو جيرانكم، 1973"البوليساريو.. شعب مسلح، 1978"؛
"ساراوينا، 1986"؛ "ضوء أسود، 1994"؛ "وطني، 1998"؛ "فاطمه، 2004"،
ويعيش "محمد هندو" الاَن في فرنسا ويعملمدبلجا لصوت الكوميدي الأمريكي "أدي ميرفي"..
|
المخرج الموريتاني العالمي عبد الرحمن سيساكو |
أثناء زيارة لي لكينيا كنت أعاني حين أقول أنني
موريتانيا فالكل يبدوعلى وجهه التعجب من هذا الاسم ويقول أين هي موريتانيا ؟.لكن
هناك مفاتيح فتحت لي باب التعريف ببلدي وهي أن أقول أن فلان من موريتانيا وهو
مافعلته مع إحدى البريطانيات التي سألت أين هي موريتانيا ؟فقلت لها هل تعرفين عبد
الرحمن سيساكو ؟ فقالت: نعم ...فرددت أنا :"هو من بلدي ".
هذه مجرد مقدمة لأقول أن هناك شخصيات تكون مشهورة
أكثر من بلدانها وتجد التقديرفي أصقاع الأرض لإبداعها ومن بين تلك الشخصيات عبد الرحمن سيساكو.الفتى
الموريتاني الذي ولد في مدينة كيفه الموريتانية، وتربى في العاصمة المالية باماكو وحملته الصدفة لدراسة السينما في الإتحاد
السوفيتي -روسيا حاليا - حيث رجع إلى وطنه موريتانيا عام 1980وكان كثير التردد على المركز الثقافي الروسي إلى أن عرض عليه مدير المركز منحة للدراسة في روسيا وصادفة أن تكون المنحة لدراسة السينما .
الفتى الذي استطاع أن يدخل بفلم تخرجه إلى مهرجان كان السينمائي وهو الإنجاز الذي حقق أكثر من مرة حتى أنه أختير كعضو لجنة تحيكم للمهرجان في دورة
2007...وفاز كذلك سنة 2005 بالجائزة الأولى في مهرجان فيسباكو السينمائي، الذي يقام
في العاصمة البوركنابية وغادوغو، والذي يعتبر أهم مهرجان سينمائي في إفريقيا، عن فلمه "في
انتظار السعادة"، الفيلم نفسه الذي فازبجائزة الجمهور في مهرجان "كان" العريق
، كذلك استطاع سيساكو من خلال تجربته السينمائية حصد عديد الجوائز والتكريمات في الكثير من المهرجانات المهمة،كمهرجان برلين السينمائي، ومهرجان القاهرة، ودبي، وقرطاج .
وقدم سيساقو عديد التجارب السينمائية المتميزة أذكر منها :
"اللعبة، 1989""أكتوبر، 1993" "الجمل والعصا المترنحة، 1996""صبرية، 1997""روستوف – لوندا، 1997""الحياة على الأرض، 2000" "في انتظار السعادة، 2002"
واَخر أفلامه هو " باماكو" المثير للجدل والذي يقدم فيه محاكمة صورية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي باستغلالهما الفظيع لاحتياج الدول الإفريقية إلى القروض.
كذلك قام سيساكو بتأسيس شركة للإنتاج في باريس تحمل اسم (شنقيط فيلم)،وقام من خلالها بإنتاج أعمال لمخرجين أفارقة
من السنغال وتشاد والبنين ولآخرين من أرمينيا وإيران أيضا عرف بمساعدته للطامحين لولوج عالم الفن السابع من الموريتانيين وذلك من خلال علاقاته الواسعة.
|
صورة جمعتني بالمخرج الموريتاني عبد الرحمن ولد محمد سالم |
رغم أن موريتانيا تمتلك مخرجين صنعوا تجارب
سينمائية مميزة إلا أن أفلامهم لم تعرض إلى الاَن في دور عرض موريتانية وذلك لاندثار
هذه الدور كما أشرت سابقا ،ذلك الاندثار الذي قال لي المخرج الموريتاني عبد الرحمن
أحمد سالم العاشق للسينما في لقاء سابق جمعني معه أن سببه هو أنه في فترة
الثمانينات بدأ ملاك تلك الدور برشوة المشرفين
على الوكالة الموريتانية للسينما من أجل السماح لهم بجلب أفلام رخصية "إباحية" وعرضها وهو ماسبب عزوف المواطنين عنها خاصة أنه في تلك الفترة انتشرت محلات
الفيديو التي تعرض تلك الأفلام بأسعار أرخص...كذلك تم إنشاء التلفزيون الموريتاني
الذي شد إنتباه جمهور الصالات السينمائية.
لكن المخرج عبد الرحمن ولد أحمد سالم قال لي في نفس
اللقاء أنهم يسعون في دار السينمائيين إلى خلق مجموعة من دور العرض الصغيرة في
موريتانيا من أجل إشاعة ثقافة الفرجة السينمائية.
ويجب التنويه بالدور الذي تلعبه هذه الدار منذ
سنوات في تكوين العديد من السينمائيين الموريتانيين بتنظيم ورش ودورات في شتى
مجالات العمل السينمائي.كذلك أنتجت العديد من الأشرطة السينمائية للهواة
والمحترفين شارك بعضها في مهرجانات دولية.نقوم الدار أيضابتنظبم قافلة سينمائية
تسميها"الشاشة الرحالة"تجوب
بها طول موريتانيا وعرضها لعرض أفلام للبدو الرحل وقاطني الأرياف والمناطق
النائية المحرومين من الصورة من أجل إشاعة هذا الفن والتعريف به.
أطلقت كذلك منذ سنوات أسبوع الفيلم الموريتاني والذي ساهم نوعا ما في نشر الفرجة السينمائية
والتعريف بإنتاج الهواة من عشاق السينما وقدم أفلام أجنية وعربية وأستضاف عديد
الشخصيات المهمة في عالم الفن السابع.
هو حكاية سينمائية
موريتانية دخلت عامها السابع و يعد
خطوة جديدة ومهمة في مسار السينما الموريتانية.
حيث يسعى منظموه أن تكون هذه النسخة نقلة نوعية في تاريخ السينما الموريتانية ..وحسب مديره المخرج والشاعر الموريتاني الموريتاني"
محمد ولد إدومو" الذي إلتقيت به الليلة قبل إنطلاق المهرجان وأثناء وضع
اللمسات الأخيرة على حفل إفتتاحه وتحدثت معه حول الجديد الذي سيقدمونه هذا العام.
حيث حدثني عن سبب
تغيير إسم المهرجان من" أسبوع الفيلم الموريتاني "إلى " مهرجان
نواكشوط للفيلم القصير" والذي قال أنه جاء لأن المهرجان لم يعد مجرد أسبوع
للفيلم الموريتاني فهو أصبح يحمل الطابع الدولي وذلك لتعدد الدول المشاركة فيه.حيث تشارك فيه هذه السنة ثمان دول إلى جانب موريتانيا وهي دول المغرب العربي وبوركينا
فاسو ومصر وفرنسا.. قررواأيضا أن يكون
مختصا في الأفلام القصيرة لأن هذا زمن المهرجانات المختصة و لأن
موريتانيا لاتوجد فيها صناعة للأفلام الروائية الطويلة.
أيضا قال أنه
ستمثل موريتانيا في المسابقة الدولية للمهرجان بفلم من إنتاج مشترك بينها وتونس
والسعودية وهو فيلم "أزهارالتيويليت "تلك المسابقة التي يشارك فيها ثمانية أفلام .
وأكد لي زيادة كم
الأفلام الموريتانية المشاركة في المهرجان أيضا تطور مستواها عن الدورات السابقة
أيضا سيكون من بين مسابقات المهرجان واحدة خاصة بالهواة الموريتانيين .
كذلك وكتكريم من
المهرجان لدور المرأة في صناعة السينما الموريتانية سيعطى المهرجان فرصة
للسينمائيات الموريتانيات من أجل إظهار إبداعاتهم على هامش المهرجان وعقد ندوات
حول تجاربهم السينمائية .
سيقدم المهرجان أيضا ثلاث ورش في الإخراج والكاميرا وكتابة السيناريو بالعربية والفرنسية و ستضم فعالياته
نشاطا إسمه البطاقة البيضاء ستقدم خلاله أفلام روائية طويلة .
ويستضيف المهرجان
كوكبة من صناع السينما والأفلام الوثائقية والمختصين في عالم الإعلام أذكر منهم:
د.محمد سعيد محفوظ من مصر
وسيم القربي مخرج من تونس
فليب أنجلو مخرج
فرنسي
فليب أتيان مخرج
فرنسي.
وتجدر الإشارة إلى
أن المهرجان إنطلق بمجهودات شخصية وغياب تام لدعم الدولة منذ سنين ككل الفعاليات السينمائية
في موريتانيا...باختصار حكاية السينما في موريتانيا هي مجهود شخصي يقوم به عشاق
هذا الفن ويتوقف برحيلهم أو عجزهم عن المواصلة ...الأمر الذي أدى إلى عدم وجود صناعة
حقيقية لها واختصارها على الانجازات الفردية.