الأحد، 7 سبتمبر 2014

ملاحظات زائر لاسطنبول


هناك مدن تملك شخصية فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالها، وهناك مدن شاحبة تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص الكوكب من بشاعتها، وهنا سأتحدث عن الصنف الأول من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل أيام، تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .

إسطنبول بعيوني
منظر من مضيق البوسفور

لم أزر كل إسطنبول لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها؛ فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين، لكنني استطعت خلال فترة إقامتي أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية، فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق، المسجد ذو المآذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع في ميدان السلطان أحمد، ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة المعمارية المسماة أيا صوفيا، التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور جستنيان.  فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطنطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة على المسيحية، لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور؛ فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، حيث شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية، وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية القديمة-في ظل حالة من العوم والغوص في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبني في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع الاستقلال وميدان تقسيم؛ فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود، فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة. وقد حضرت لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس ما يحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي
من الصعوبة بمكان أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام  والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية، والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة، لكن رغم ذلك تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث، وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي بعد معرفته من أي بلد أتيت، هل أنت مسلم؟، وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة لهم مجرد أنماط، وهي: مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج  وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا وبقية الدول، وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان عن بلده وعندما أجابه، رد عليه قائلاً:" السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين"، وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب بإسطنبول
حالة الشغف بالمدينة والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها؛ فحين تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ، حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي، وحين تتجول بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الاجتماعيين ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة"البنات والسهر" ظنا منه بأنك من مواطني إحدى الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين تجد أن من بين  أولئك  المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.

لكن هناك ما يدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما يشرف عليه عربي؛ فهناك نشاطا تجاريا عربيا ملحوظا في المدينة خاصة من طرف المواطنين السوريين. ويوجد أيضا حضور للقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة لغزة.
اَيا صوفيا تصرخ:الحرية لغزة

هناك 31 تعليقًا:

  1. عرفت اسطنبول من خلال مقالك

    ردحذف
  2. ذلك شيء يسعدني شكرا على المرور تحياتي

    ردحذف
  3. مقال جميل و وصف جميل و دون تعسف لمدينة أسنطبول قطعا هناك نواقص لكن الزمن لم يكن ليساعدك علي الاطلاع علي كل المدينة و قد أقررت بذلك تحياتي رفيق

    ردحذف
  4. بالتأكيد هناك نواقص كثيرة والمدينة جميلة مقارنة بدول جوارها أما حين ننظر إلى أوربا فتلك قصة أخرى وعالم اَخر :)

    ردحذف
  5. مشكورين علي المدونة الرائعة
    يشرفنا زيارتكم لموقع رسائل الجوال شامل اس ام اس
    موقع متخصص في رسائل الجوال للشركات والأفراد والمدارس والجمعيات الخيرية
    http://www.shamelsms.net
    للتواصل 0112299801/2292973

    ردحذف
  6. السلام عليكم
    حرب التتار - ترافيان كلاسيك
    http://travianr.com/ts5/register.php?ref=28

    ردحذف
  7. شكرا لكم على النشر المميز

    http://sh1-1.blogspot.com/

    ردحذف
  8. اشترك بالاستبيان واربح 20,000 ريال سعودي نقدا
    http://180170.com/bo

    ردحذف
  9. اعتبر لندن هي الافضل لكن قريبا عند زيارتي لأسطنبول ربما اغير رأيي :)
    البرمجة اللغوية
    دورات

    ردحذف
  10. شكرا لك http://ip-tracker.blogspot.com/

    ردحذف
  11. شكرا لك.. وشكرا للأتراك لم ينسوا فلسطين كما نسيها كثيرمن العرب

    ردحذف
  12. شكرا على الموضوع الطيب لانه دائما ودوما فلسطين هي قلوبنا

    ردحذف